big-img-news
بواسطة Mada Admin | 13 مايو 2020

ضمن سلسلة محاضرات "السياسة في زمن الكورونا": الباحث أحمد محمود يقدم محاضرة يقارن فيها بين الكوليرا والكورونا من خلال قراءة تمثيل السكّان المحلّيّين في التاريخ المحلّيّ الفلسطينيّ

أطلق مركز مدى الكرمل المحاضرة الرابعة من سلسلة محاضرات "السياسة في زمن الكورونا" يوم الأربعاء الماضي 06/05/2020. جاءت المحاضرة الرابعة تحت عنوان  "ما بين الكوليرا والكورونا: قراءة تمثيل السكّان المحلّيّين في التاريخ المحليّ الفلسطينيّ" للباحث أحمد محمود، وهو طالب دكتوراه في قسم التاريخ في الجامعة العبريّة، ويكتب في التاريخ الاجتماعيّ للمدن الساحليّة في شمال فلسطين من خلال الطبّ والصحّة العامّة. يمكن تبرير أهمّيّة المقارنة بين انتشار الكوليرا وانتشار الكورونا في محاضرة محمود من خلال الإشارة إلى الضوابط والجوانب المشتركة التي تبعت ظهورهما، كتقييد حركة التنقل، بالتالي تقييد الحياة الطبيعيّة للناس، وتأثير هذه التقييدات على كافة مرافق الحياة على المستوى المحلّيّ والدوليّ على حدٍّ سواء. استهلّ محمود محاضرته بنصٍّ مقتبس من كتاب تاريخ حيفا في عهد الأتراك العثمانيّين للكاتب أليكس كرمل، يتحدّث فيه عن وباء الكوليرا الذي أصاب مدينة حيفا عام 1911، وهو أحد المصادر التاريخيّة التي وثقت لانتشار الكوليرا بشكل هامشيّ. يقول محمود أنّه بالرغم من كثرة الكتابات حول التاريخ الفلسطينيّ إلّا أنّ قضايا الطبّ، الأمراض، الصحّة العامّة، وبلديّات المدن لم تحظى بالبحث والدراسة، وظلّت المكتبة العربيّة تفتقر إلى أدبيات تاريخيّة منهجيّة حول تاريخ الأمراض في فلسطين.  لذا اهتمّ بطرح ومناقشة أسئلة مثل: ماذا نعرف عن المجتمع الفلسطينيّ خلال اجتياح الأوبئة؟ من هي الفئات التي تمّ تمثيلها؟ وأيّ الفئات تمّ تهميشها؟ ما هي المصادر التي تتحدّث عن فلسطين في الفترات التي اجتاحتها الأوبئة؟  انطلق محمود في محاولة للإجابة على هذه الأسئلة من خلال ادّعائه بوجود علاقة بين تبلور الصحة العامة في فلسطين وانتشار الأمراض والأوبئة، متّخذًا مدينة حيفا نموذجًا للدراسة. وقد عرّف محمود الصحّة العامّة بحصول الإنسان على مياه صالحة للشرب، وتوفّر أنظمة صرف صحّيّ صالحة للاستعمال، ووسائل الصحّة العامّة وأن تكون في متناول الناس.  انقسمت المحاضرة إلى عدّة موضوعات: بدايةً تناول محمود الطريقة التي تعاملت بها الدول مع وباء الكوليرا، مشيرًا إلى الجلسة التي عقدتها الدول الأوروبيّة في المجلس الصحّيّ العالميّ في إسطنبول لمناقشة خطّ الحديد الحجازيّ الذي أُنشئ عام 1905، ذلك لأنّ خطّ الحديد الحجازيّ شكّل التفافًا على موضوع الحجر الصحّيّ من خلال الموانئ.  وقد كانت الدول في تلك الفترة تحجر المناطق التي انتشر فيها الوباء، على سبيل المثال تمّ حجر مدينة حيفا ومينائها عن باقي المدن حتى زوال الوباء، بالتالي لم يختلف الوضع اليوم في التعامل مع الكورونا عن الوضع آنذاك في التعامل مع الكوليرا. حيث يمكن ملاحظة نجاعة الدولة القومية الحديثة في تقييد الحركة والتنقل، والسيطرة على الوباء نتيجة لهذا التقييد.  ثانيًا، تناول محمود موضوع تمثيل الفئات الاجتماعيّة والسكّان بالكتابة التاريخيّة في سياق الكتابة عن تاريخ الأمراض وانتشار الأوبئة، موضّحًا أنّ معرفتنا حول انتشار وباء الكوليرا في حيفا سنة 1911 كانت في الغالب من مصادر مثل الصحف العبريّة، والقناصل الأجانب، والصحافة الفلسطينيّة. لم تحتوِ هذه المصادر على معلومات حول التاريخ الاجتماعيّ الفلسطينيّ في وقت انتشار الكوليرا أو حول دور المجتمع في مواجهة الأوبئة، أو ردود فعل الناس على فرض الحجر الصحي. وقد تعاملت الأرشيفات الرسميّة للدولة مع السكّان من خلال تمثيلهم كأرقام وإحصائيّات وليس كحالات مفصّلة وموسّعة، أمّا القناصل الأجانب فقد عمدوا إلى تهميش السكّان المحلّيّين في توثيقاتهم، وعرضهم بصورة سلبيّة، وفي هذا انعكاس للنظرة الاستشراقيّة الاستعلائيّة الغربيّة اتّجاه السكان المحليّين في نهاية الفترة العثمانيّة. لم تختلف الكتابات باللغة العبريّة في إقصاء الوجود الفلسطينيّ في هذا السياق أيضًا. ولم تكن الكتابات العربيّة على قلّتها بديلًا للمصادر المذكورة أعلاه، لأنّها كتابات وصفيّة بالغالب، لا تحتوي تحليلًا منهجيًّا لموضوع الأمراض والأوبئة في سياق إمكانيّة قراءة تاريخ اجتماعيّ فلسطينيّ.  عند هذا الادعاء يعود محمود لمناقشة اقتباس أليكس كرمل وتوجّهه الاستشراقيّ الذي مدح فيه الألمان الهيكليّين ونشاط الحركة الصهيونيّة الذين تمكنوا من مواجهة الوباء من خلال إنشاء منظومة صحّيّة ومتطوّرة خاصّة بهم، وذمّ السكّان المحلّيّين، وبلدية حيفا. ليس ذلك وحسب، بل اختار أليكس كرمل الكتابة عن المجتمع المحلّيّ وبلدية حيفا بشكل هامشيّ، وذلك على الرغم من مساهمات البلدية في تطوير المدينة وتحسين ظروف الصحّة العامّة. هذا النقص في المصادر المحلّيّة التي تنقل لنا صوت المجتمع الحيفاويّ، وعدم توفّر أرشيف بلديّة حيفا خلال تلك الفترة أدّى إلى تغييب دور المجتمع في التاريخ الفلسطينيّ خلال فترة انتشار الأوبئة، ممّا فتح المجال أمام الرواية التاريخيّة الاستشراقيّة. لم يكتفِ محمود بالحديث عن مدينة حيفا كمثال للأهمّيّة التي أولاها المجتمع المحلّيّ للصحّة العامّة، بل تحدّث عن مدينة طبريا كذلك، والتي ما زال أرشيفها متوفّرًا لنا حتّى اليوم. في الأرشيف تُلحظ عناية بجوانب الصحّة العامّة، الأمر الذي يعكس دور الإدارة المحلّيّة في الرقابة على وسائل الصحّة العامّة وتوفيرها للسكّان، ويدلل على دور المجتمع المحلّيّ وتطوّره في مجالات الصحّة العامّة المختلفة.  أنهى محمود محاضرته بالحديث عن تبلور اهتمام المجتمع الفلسطينيّ بالصحّة العامّة والتفات إيجابيّ لأوساط عدّة منه لموضوع التوثيق، لا سيّما تاريخ الأوبئة الفلسطينيّ وتاريخ الأمراض في أعقاب انتشار فيروس كورونا. بالإضافة إلى ذلك نشأت عدّة مبادرات في فترة كورونا التي عَنَت بكتابة اليوميّات نتيجة للتباعد الاجتماعيّ والحجر الصحيّ، وهو ما يشكّل مادّة تاريخيّة ثريّة للمستقبل، وتوثيقًا للمجتمع الفلسطينيّ. ختم محمود بقوله أنّه لا يمكن فصل تاريخ الأمراض وتاريخ الصحّة في فلسطين عن باقي جوانب التاريخ الفلسطينيّ، وأنّه لا ينبغي أن تقتصر دارسة هذا الجانب والاهتمام فيه فقط في فترات انتشار الأوبئة، أيّ أنّ اهتمامنا فيه لا ينبغي أن يكون ردّ فعل وإنّما فعل في سياق الكتابة التاريخيّة. 

الاكثر قراءة