أطلق مركز مدى الكرمل "برنامج طلبة الدراسات العليا" عام 2015 بغية توفير فضاءٍ فكريّ بديل عن الفضاء الأكاديميّ الإسرائيليّ، وتعويضيّ -في ذات الوقت- لطلبة الدراسات العليا الفلسطينيّين، فضاءٍ يمكن فيه لأبحاثهم أن تنمو، وفيه يمكن لهم أن يسهموا في تطوير منهاج فكريّ لرعيل جديد من الباحثين. في هذا الفضاء، يوفّر مدى الكرمل لطلبة الدراسات العليا الفلسطينيّين مُناخًا فكريًّا لا يتاح، عمومًا، للطلبة العرب داخل الأوساط الأكاديميّة الإسرائيليّة، وكذلك يوفّر لهم فرصة لتلقّي التدريب في التفكير النقديّ، وفرصة التعرّض لآداب وأفكار بديلة، وفرصة تبادل البحوث والأفكار من خلال نقاش أكاديميّ وديناميكيّ مع غيرهم من الطلبة من أعلى المستويات، ومع أكاديميّين عريقين ومتمرّسين. يتألّف برنامج طلبة الدراسات العليا من ثلاثة مركّبات:
لا يحظى طلبة الدراسات العليا الفلسطينيّون في الجامعات الإسرائيليّة بفرص لمناقشة أطروحاتهم بلغتهم الأمّ؛ وهو ما يعني أنّهم قادرون على تطوير خبراتهم في التحدّث أو الكتابة حول موضوعاتهم باللغة العبريّة أو بالإنجليزيّة فقط. فضلًا عن ذلك، لا توفّر المؤسّسات الإسرائيليّة، عمومًا، حلقات دراسيّة يستطيع الطلبة خلالها التحدّث بحيويّة أو تلقّي الملاحظات حول أبحاثهم الخاصّة بهم من آخرين يشاركونهم الاهتمام في مجالاتهم.
يبتغي السمينار، أن يُشكِّل حيّزًا أكاديميًّا داعمًا وفضاءً ثقافيًّا ووطنيًّا حاضنًا لطلبة الماجستير والدكتوراه، يناقشون فيه أبحاثَهم وكتاباتِهم خلال مسيرتهم الأكاديميّة. ويشارك فيه مجموعة من الأكاديميّين والمحاضرين الفلسطينيّين من حقول أكاديميّة مختلفة. يسعى السمينار إلى توفيرِ مُناخ يمكّن المشاركين من طرح أسئلتهم الأكاديميّة وتخبُّطاتهم خلال مسارهم البحثيّ، ليناقشوها مع زملائهم في السمينار ومع محاضِرين ومحاضِرات فلسطينيّين ضيوف. كذلك يولي السمينار أهمّيّة لتطوير المنظور النقديّ لدى المشاركين حين بَلْوَرَتهم لإسهاماتهم النظريّة، ولا سيّما حين مقاربتهم للقضايا المتعلّقة بالمجتمع الفلسطينيّ. يُصْدِر مدى الكرمل عددًا من مجلّة جدل الإلكترونيّة لمساهمات المشاركين في السيمنار، مبتغاه تطوير مهارات الكتابة باللغة العربيّة لدى المشاركين.
ويخصّص مدى الكرمل مِنحًا للطلبة المشاركين في سميناره كلّ عام، لتغطية رسوم التعليم وبعض نفقات المعيشة؛ وذلك أنّ مِنح الدولة والمِنح الدراسيّة لدرجة الدراسات العليا في المؤسّسات الإسرائيلية غالبًا ما تستثني الطلبة الفلسطينيّين. ففي كثير من الحالات، تجري مراعاة إنهاء الخدمة العسكريّة، جنبًا إلى جنب مع وضع الطالب الماليّ وأدائه الأكاديميّ. كما أنّ العديد من المنح الدراسيّة الأخرى والمتاحة في إسرائيل مَصدرها من المنظّمات الصهيونيّة التي تقدّم الدعم للطلبة اليهود فقط، أو تَشترط أَجِنْدات بحثيّة تخدم مشروعها السياسيّ وسرديّتها التاريخيّة.
يُنظّم مركز مدى الكرمل ورشة دراسيّة من لقاءين مُكَثَّفَين (يمتدُّ كلّ لقاء على مدى يومين متواصلين في رام الله) ولقائي زوم، للباحثين وطلبة الدراسات العليا في العلوم الاجتماعيّة والإنسانيّة والحقوق، لمناقَشة الإنتاج المعرفيّ حول الفلسطينيّين في إسرائيل وتطوُّره. يدخل موضوع الورشة في إطار علم اجتماع المعرفة، أي أنّها ترمي إلى دراسة التحوُّلات التي حدثت على المُقارَبات النظريّة والتوجُّهات المنهجيّة في دراسة الفلسطينيّين في إسرائيل، فضلًا عن التحوُّلات التي طرأت على الفاعلين في الإنتاج المعرفيّ من باحثين وباحثات ومؤسَّسات. بناءً على ذلك، تهدف الورشة إلى تحليل المتغيّرات والسياقات الاجتماعيّة والسياسيّة والاقتصاديّة والثقافيّة التي أثّرت على عمليّة إنتاج المعرفة حول الفلسطينيّين في إسرائيل في فترات تاريخيّة مُختلفة. كذلك، تُناقش الورشة مسألة الهيمنة والشروط التي تسمح بالهيمنة المعرفيّة، والمتغيّرات التي تسهم في تحدّيها والاستئناف عليها. فالهيمنة المعرفيّة وتحدّيها لا يتعلّقان بتطوّر الحقل المعرفيّ والنظريّ فحسب، بل يتعلّقان كذلك بمتغيّرات سياسيّة واجتماعيّة تؤثّر هي بدَوْرها على الإنتاج المعرفيّ. فضلًا عن ذلك كلّه، تهدف الورشة إلى مُراجعة ومُناقَشة بعض النصوص المُهِمّة التي كان لها إسهام في تطوُّر الإنتاج المعرفيّ حول الفلسطينيّين في إسرائيل؛ تلكَ التي أُنتجتْ في الأكاديميا الإسرائيليّة، الأكاديميا الفلسطينيّة، أو خارجهما في نصوص سياسيّة وأدبيّة لقيادات جماهيريّة.
يُنظّم مدى الكرمل مُؤتمرًا سنويًّا لطلبة الدكتوراة الفلسطينيّين بوتيرة مرّة كل سنتين، بهدف تدعيمهم. يسعى المُؤتمر، على وجه التحديد، لِأَن يَكُونَ منصّةً مَركزيّةً يقومُ فيها طلبة الدكتوراة الفلسطينيّون بعرض أبحاثهم، تطوير معرفتهم، ومنحهم الأدوات اللازمة للمشاركة في المُؤتمرات العلميّة والمهنيّة، ولا سيّما مهارات العرض باللغة العربيّة. كذلك، يهدف المؤتمر إلى إتاحة الفرصة أمام طلبة الدكتوراة الفلسطينيّين للتواصلِ؛ التشبيك؛ تبادل الخبرات؛ وتلقّي التعليقات؛ التعقيبات؛ والردود من جمهور الحاضرين حول أبحاثهم، بما فيهم زُملاؤهم من طلبة الدكتوراة، أكاديميّون، باحثون ومُحاضرون فلسطينيّون بارزون ذوي تجربة بحثيّة واسعة ومسؤوليّة مجتمعيّة مُلتزمة.
مخيّم صيفيّ لطلبة البكالوريوس الفلسطينيّين في الجامعات الإسرائيليّة
أطلق مركز مدى الكرمل -المركز العربيّ للدراسات الاجتماعيّة التطبيقيّة- في العام 2023 مخيّمًا صيفيًّا لطالبات البكالوريوس (اللقب الجامعيّ الأوّل) الفلسطينيّات في الجامعات الإسرائيليّة، ضمْنَ برنامجه "دعم طلبة الدراسات العليا". سيُعْقَد المُخيّم بوتيرة مَرّة كلّ سنتين، لمدّة ثلاثة أيّام متواصلة في إحدى مدن الضفّة الغربيّة. يسعى مدى الكرمل من خلال هذا المخيّم إلى توفير إطار معرفيّ أكاديميّ عربيّ وفلسطينيّ بديل بحيثُ يُسهِم في تحرير الطالبات من القيود المعرفيّة الإسرائيليّة، ويتيحُ لهنّ اكتشاف مساحات جديدة أكثر حرّيّة وجرأة في ذواتهنّ، هُويّتهنّ، وحقيقتهنّ المعرفيّة بدون رادع أو رقابة. يسعى المركز إلى تطوير أدوات معرفيّة ونقديّة لدى الطالبات الفلسطينيّات في بداية مشوارهنّ الأكاديميّ بهدف المُساهمة في تطوير وشحذ وبلورة هُويّتهنّ الفكريّة؛ فيما لا تزال غضّة. كذلك، يسعى المُخيّم إلى تشكيل مساحة جامعة لطالبات البكالوريوس اللواتي تدرسنَ في مختلف الجامعات الإسرائيليّة؛ زيارة إحدى الجامعات أو المؤسسات الفلسطينيّة وتبادل تجاربهنّ الطلّابيّة مع قريناتهنّ من الطالبات في جامعات الضفّة الغربيّة. إضافةً إلى ذلك، سيُتيح المُخيّم للطالبات التعرُّف على مجالات اهتمام محاضِرات وباحثات وناشطات وأكاديميّات وطالبات ماجستير ودكتوراة فلسطينيّات من الضفّة والداخل على حدّ سواء؛ والالتقاء بهنّ والتواصل معهنّ.
* النصّ مكتوب بصيغة المؤنّث، ولكنّه موجَّه إلى الجنسين على حدّ سواء.
العنوان:
