يهدف برنامج "دراسات عن إسرائيل" إلى تحليل القضايا الإسرائيليّة الاجتماعيّة والسياسيّة والاقتصاديّة من خلال مقارَبات نقديّة وإسهامات بحثيّة جادّة. وذلك من أجل الإسهام في إثراء المكتبة العربيّة بدراسات أكاديميّة عن إسرائيل باللغة العربيّة وتوفيرها للجمهور العربيّ الواسع، ولجمهور الطلبة والباحثين العرب.
لقد مرّت إسرائيل بتحوُّلات شديدة الأهمّيّة في العَقدَيْن الأخيرَيْن، كان أبرزها سيطرة اليمين المتطرّف على الحكْم وصناعة القرار، وسَنّ قوانين عنصريّة لتثبيت التفوُّق اليهوديّ، وتمدُّد الاستيطان في الضفّة الغربيّة والقدس، وتعزيز النزعة التوسُّعيّة الهادفة إلى ضمّ أراضٍ في الضفّة الغربيّة، والمحاولات الحثيثة لتقليص صلاحيَات المحكمة العليا وتحييدها لصالح الشعبويّة السائدة في البرلمان، ويرى فيها عثرة أمام إمكانيّة تحقيق حسم مسألة الاحتلال لصالح الضمّ، وكذلك في حسم مسألة طابع الدولة لصالح الإملاءات الدينيّة، والتضييق على الحرّيّات المدنيّة والمنجزات العلمانيّة الليبراليّة.
في ظلّ هذه الأجواء جاء هجومُ حركة حماس في السابع من تشرين الأوّل (أكتوبر) الماضي، الهجومُ الذي خلق صدمة وهلعًا وفقدان ثقة بمؤسّسات الدولة. منحت حالةُ الطوارئ منذ بداية حرب الإبادة على غزّة الشرعيّةَ الداخليّة للممارسات الإسرائيليّة في قِطاع غزّة، ولجرائم الحرب، ولنزع الإنسانيّة عن سكّان القِطاع، وفاقمت مشاعرَ العدائيّة والعنصريّة، وتكثيف سياسات الاستيطان في المناطق الفلسطينيّة المحتلّة عام 1967. كذلك استُغِلّت لمحاولة قمع حرّيّة التعبير وتخويف المواطنين العرب ومراجعة منجزاتهم لناحية الحقوق المدنيّة والسياسيّة بوصفهم مواطنين. وقد تُنتج حرب الإبادة على غزّة إعادة تعريف للمنظومة الحزبيّة والسياسيّة في إسرائيل، بحيث يكون المجتمع أكثر يمينيّة وعنصريّة، وأكثر انغلاقًا، ويتّجه نحو تبنّي الحلول العسكريّة القمعيّة، في ظلّ تراجع الحالة الاقتصاديّة وانعزال إسرائيل عالميًّا.
في ظل هذه التحوُّلات كافّة، يرى مدى الكرمل أهمّيّة بالغة في توفير منصّة أكاديميّة بحثيّة نقديّة تسهم في تحليل وقراءة المجتمع والدولة في إسرائيل، وتوفير مساحة وأدوات علميّة لأكاديميّين/ات فلسطينيّين/ات مهتمّين/ات في دراسة إسرائيل، عبر سمنار أكاديميّ يهدف الى تدريب جيل أكاديميّ فلسطينيّ يملك مهارات البحث الأكاديميّ النقديّ المتخصّص في دراسة إسرائيل.
يتناول السمنار مَحاور سياسيّة واجتماعيّة واقتصاديّة للحالة الإسرائيليّة ويناقشها بأدوات بحثيّة نقديّة لا تستند فقط الى المقارَبات الدارجة في الأكاديميّة الإسرائيليّة. بذلك تزويد المشاركين/ ات بأدوات أكاديمية وبحثيّة تساهم في تفكيك الخطاب الأكاديميّ المعرفيّ القائم حول إسرائيل، وتعزيز المجال المعرفيّ لمواجه الهيمنة المعرفية القائمة. من ضمن المواضيع التي يتناولها السمنار: تاريخ الصهيونيّة؛ تاريخ ومبنى النظام السياسيّ والحزبيّ في إسرائيل؛ تحوُّلات في السياسة والمجتمع في إسرائيل؛ إسرائيل والمواطنون العرب؛ إسرائيل والقضيّة الفلسطينيّة؛ النظام القضائيّ في إسرائيل؛ الإعلام في إسرائيل؛ المجتمَع المدنيّ؛ الاقتصاد الإسرائيليّ؛ المشهد الثقافيّ في إسرائيل. يشمل السمنار عشرة (10) لقاءات، ويقدّم السمنارَ مجموعةٌ من الأكاديميّين/ات العرب المختصّين/ات في دراسة إسرائيل، من مجالات معرفيّة متنوعة. حيث يقدّم المشاركون/ات دراسة تحليليّة في أحد المواضيع التي يختارونها، وتجري مناقشة البحث خلال السمنار، وفي نهاية السمنار تُنشَر أوراق المشاركين/ات في إصدار خاصّ.
يدير السمنار الأستاذ امطانس شحادة وتساعده بالتنسيق الزميلة جوانا جبارة.
تحاول سلسلة "دراسات عن إسرائيل" إحداث قطيعة نظريّة عن المعرفة النظريّة الإسرائيليّة المهيمنة التي لا ترى في العربيّ أو الفلسطينيّ باحثًا في الشأن الإسرائيليّ من جهة، ومقاربة دراسات عن إسرائيل من خلال كونها حالة استعمار استيطانيّ، فضلًا عن أنّها تحاول تقديم أبحاث جادّة باللغة العربيّة تتجاوز الأوراقَ العربيّة التي تعيد إنتاج المعرفة الإسرائيليّة باللغة العربيّة.
استطاعت الحكومات، بتبنّيها سياسات السوق الحرّ والسياسات النيولبراليّة في معظم دول العالم، أن تعزل العمل السياسيّ عن الاقتصاديّ، واستطاعت أن تتنصّل من مسؤوليّاتها تجاه مواطنيها، ولا سيّما الأقلّيّات الضعيفة. ولعلّ أخطر تأثيرات السياسات النيولبراليّة ليست الأزمة الاقتصاديّة _ الاجتماعيّة التي تسبّبت فيها، بل الأزمة السياسيّة. تبنّى اليمين في إسرائيل سياسات نيولبراليّة اقتصاديّة أسهمت في تحسين مكانة الدولة اقتصاديًّا في العقود الأخيرة، وساعده في ذلك تخلّي اليسار الإسرائيليّ عن مفاهيم اليسار من الناحية الاقتصاديّة منذ منتصف الثمانينيّات. ولتحسين مكانة دولة إسرائيل اقتصاديًّا، أقرّت حكومات اليمين النيولبراليّة سياسات لدمج الفلسطينيّ في السوق النيولبراليّ كفرد، ممّا عظّم فكرة الإنجاز والتميُّز الشخصيّ، في مقابل تعزيز الطابع الجماعيّ الإثنيّ _ الدينيّ للمجموعة اليهوديّة، والذي جرى التعبير عنه بقانون القوميّة. لقد تناولت العديد من الدراسات دَوْر السياسات النيولبراليّة الاقتصاديّة في تفكيك بعض ركائز دولة الرفاه الاجتماعيّ تحت وطأة الخصخصة المتسارعة. وقد صاحب هذه التحوّلاتِ صعودُ اليمين المتطرّف والليبراليّ، في مقابل تلاشي دَوْر اليسار التاريخيّ بعد أن فقدَ المؤسّساتِ الاقتصاديّةَ والاجتماعيّة التي ارتكز عليها في العقود السابقة. لكن هذه التحوّلات الدراماتيكيّة والمتسارعة قد تركت بصماتها، بلا شكّ، على حياة الفلسطينيّين، سواء أكانوا في داخل إسرائيل أم في الأراضي المحتلّة والقدس. من هذا المنطلق، أطلق مدى الكرمل في العام 2020 سلسلة دراسات وأبحاث جديدة، في محاولة للوصول إلى فهم أعمق لانعكاسات السياسات النيولبراليّة -ولا سيّما الاقتصاديّة منها- على حياة الفلسطينيّين، كلّ حسب موقعه الجغرافيّ ومكانته داخل المشروع الاستعماريّ.