نظّم برنامج الدراسات النسويّة في مركز مدى الكرمل، بالشراكة مع معهد دراسات المرأة في جامعة بير زيت، يومَيِ الجمعة والسبت 13-14 من كانون الأوّل الجاري (2024)، محاضرة وورشة فكريّة في مركز خليل السكاكيني برام الله، تناولتا قضايا التحرُّر والبحث النسويّ الفلسطينيّ في سياق حرب الإبادة على غزّة.
مساء الجمعة قدّمت سامرة اسمير، التي تعمل أستاذة مشارِكة في دائرة البلاغة بجامعة كاليفورنيا-بيركلي، والمشتبكة بالشأن السياسيّ العامّ، محاضَرةً حملت العنوان "في حضرة الأنقاض: التحرير كممارسة"، وأدارت النقاشَ همّت زعبي، مديرة المشاريع البحثيّة في مدى الكرمل. تناولت المحاضَرة، التي حضرها نحو خمسين مشارِكة ومشارِكًا، مفاهيم التحرير وممارساته في السياق الفلسطينيّ المعاصر. ركّزت مداخلة اسمير على إعادة تأطير مفهوم التحرير في السياق الفلسطينيّ المعاصر، طارحةً تساؤلات جوهريّة حول أفق العمل التحرُّريّ خارج نموذج الدولة، ومنطلِقةً من نقد المرحلة الأوسلويّة التي اختزلت النضال التحرُّريّ في مشروع بناء الدولة. وقد أوضحت في بداية مداخلتها أنّها لا تتحدّث بالأساس عن نكبة غزّة والظلم الذي تتعرّض له؛ إذ هنالك الكثير من النصوص كتبها ويكتبها أهل غزّة، ولهم القول والتبيين والفصل، مؤكِّدةً أنّه “من الأَوْلى بنا نحن خارج غزّة أن نقرأها ونناقشها ونتعلّم منها ومعها. وأضعف الإيمان أن نتطلّع نحن، المهزومين، إلى غزّة لنرى في صمودها جُبنَنا، وفي أنقاضِها ركامَنا، وفي حاضرِها كارثتَنا". وأضافت أنّ عنوان المحاضَرة "في حضرة الأنقاض" يعني "أن يتقاطع حاضرنا مع حاضرها، أن نكون بزمنها الحاضر، حاضر النهايات والبدايات المتكرّرة، أن نسمح لأنفسنا أن نشعرَ ونشعرَ بقوّة هذا الحاضر، وأن نتريّثَ قبل أن نتسرّعَ بالتفكير في الحلول المستقبليّة في محاولة منّا لتفادي حاضر الكارثة".
تناولت المحاضرة في تحليلها البُعدَيْن الزمانيّ والمكانيّ للتحرير، مقترِحةً إعادة النظر في علاقتنا بالحاضر والمستقبل. وقد استدعت المداخلة نقاشات جادّة ودعوات لإعادة التفكير في مفاهيم التحرير والنضال في السياق الفلسطينيّ المعاصر، مع تساؤلات حول الممارَسات العمليّة لا الأطر النظريّة فحسْب.
في اليوم التالي، عُقِدت ورشة فكريّة حملت العنوان "أَجِنْدة بحثيّة نسويّة فلسطينيّة في ظلّ الإبادة المستمرّة" بمشاركة 40 باحثة وناشطة نسويّة من مختلف المناطق الفلسطينيّة. افتتحت الورشةَ شادية الغول، مديرةُ مكتب "مفتاح" في غزّة عبْر منصّة زوم، وقدّمت شهادة حيّة عن تجربتها في ظلّ الإبادة المستمرّة في غزّة. تطرّقت إلى التحدّيات اليوميّة التي تواجه النساء في غزّة، بدءًا من صعوبات التنقُّل وانتهاءً بالحرمان من أبسط الاحتياجات الأساسيّة. وأبرزت كيف استطاعت النساء في غزّة تطوير آليّات مقاوَمة وصمود، مشيرةً إلى ظهور ديناميكيّات اجتماعيّة جديدة وتحوُّلات في المفاهيم النسويّة والنوع الاجتماعيّ نتيجة هذه التجارب.
تَلَتْها مداخلةٌ من حلا شومان، طالبة الدكتوراة في جامعة نيوكاسل، تناولت فيها السياسات الممنهَجة التي تستهدف صحّة الفلسطينيّين الإنجابيّة. وتَبِعَ المداخلتَيْن نقاشٌ موسَّع حول دَوْر الباحثات والأكاديميّات الفلسطينيّات في توثيق وتحليل ممارَسات المحو الممنهَجة التي تتّبعها إسرائيل في مختلِف المناطق الفلسطينيّة، سواء أكان ذاك في الضفّة الغربيّة أَمْ داخل الخطّ الأخضر، وذلك بالتزامن مع الإبادة الجارية في غزّة. ركّز النقاش على أهمّيّة البحث الأكاديميّ في توثيق وتحليل هذه الممارَسات وتأثيراتها على المجتمع الفلسطينيّ.
تضمّنت الورشة كذلك عرض فيلمَيْن وثائقيَّيْن: "ناجيات من الرماد" للمخرجة ناهد أبو طعيمة (2023)، وَ "أصوات من خلف القضبان" من إنتاج مؤسَّسة "مفتاح" (2024). تضمّنت الورشة نقاشات جماعيّة تمحورت في التحدّيات التي فرضتها حرب الإبادة على غزّة على مجالات إنتاج المعرفة ومصادر اعتماد المعرفة محلّيًّا وعالميًّا. وقد أجمعت المجتمِعات على خيبة الأمل العميقة من النظريّات والممارَسات النسويّة الغربيّة الكلاسيكيّة، وطرحن بقوّة ضرورة إعادة النظر في المصطلحات والتعريفات النسويّة المهَيْمِنة وتحدّيات إعادة هذه التعريفات من مركزيّة ممارَسات النساء الغزّيّات. فضلًا عن هذا، أجمعت المشارِكات في الورشة على ضرورة تكرار هذه اللقاءات التي تعمل على خلق مِساحة نقاش ومشارَكة وكذلك تفاكر جماعيّ يسهم في تطوير أَجِنْدات نسويّة موطَّنة في الواقع الفلسطينيّ على تعدُّداته الجغرافيّة. تأتي هذه الورشة في إطار الجهود البحثيّة والأكاديميّة المستمرّة لبرنامج الدراسات النسويّة في مدى الكرمل ومعهد دراسات المرأة في جامعة بير زيت، بغية تعزيز البحث العلميّ والنسويّ الفلسطينيّ في ظلّ سياسات المحو الإسرائيليّة للإنتاج البحثيّ والفكريّ الفلسطينيّ.