دراسات عن اسرائيل/

أحداث / "بعد السابع من تشرين الأوّل /أكتوبر: الصهيونيّة تتغيّر والمحكمة العليا تتماهى مع الدولة"- اللقاء السابع (30 أيّار 2025)
big-img-news
بواسطةMada Admin | 1 يونيو 2025

"بعد السابع من تشرين الأوّل /أكتوبر: الصهيونيّة تتغيّر والمحكمة العليا تتماهى مع الدولة"- اللقاء السابع (30 أيّار 2025)

عقَدَ مركز مدى الكرمل يوم الجمعة، الثلاثين من أيّار الفائت (30/5/2025)، اللقاءَ السابع من سمنار دراسات إسرائيل، وتمحور في طبيعة الخطاب الصهيونيّ وفي أداء المنظومة القضائيّة الإسرائيليّة. تناول اللقاء، من خلال مداخلتَيْن متخصّصتَيْن، الصهيونيّةَ بوصفها مشروعًا متحوّلًا، إلى جانب التحوُّلات الجذريّة في أداء المحكمة العليا، وبخاصّة بعد السابع من تشرين الأوّل /أكتوبر (2023).

في بداية اللقاء، استهلّ د. نبيه بشير، الباحث في الشؤون الإسرائيليّة، مداخلته بالإشارة إلى التحدّيات المنهجيّة التي تواجه دراسة الصهيونيّة، والمتمثّلة في تشتُّت الـمَصادر وقلّة الموادّ الأوّليّة المتاحة باللغة العربيّة. وأكّد أنّ فَهْم المجتمع الإسرائيليّ يستوجب الإحاطة بالخلفيّة الدينيّة اليهوديّة، ولا سيّما مفهوم "الشعب المختار" الذي يظلّ حاضرًا حتّى لدى العلمانيّين واليساريّين.

قدّم د. بشير تعريفًا للصهيونيّة بوصفها كيانًا "متعدّد الأوجه" ومتطوّرًا، مشيرًا إلى أنّ نصوصها التأسيسيّة تتّسم بغموض مقصود مكّنها من حشد إجماع واسع في بداياتها. هذا الغموض، بحسب رأيه، يتيح مجالًا لتأويلات متعدّدة تتغيّر بحسب السياق الزمنيّ والسياسيّ، وهو ما أسهَمَ في استمراريّة الحركة وقدرتها على التكيُّف.

لفت د. بشير الانتباه إلى تحوُّلات مفصليّة شهدتها الصهيونيّة في الفترة الواقعة بين عام 1967 وعام 1977؛ إذ تميّزت هذه المرحلة بانحسار المشروع العمّاليّ الذي سعى إلى بناء "الإنسان اليهوديّ الجديد"، وبروز المضامين الدينيّة التوراتيّة في الخطاب الصهيونيّ. وأوضح أنّ حرب عام 1967 عزّزت البُعدَ الروحانيَّ والرومانسيَّ لدى الصهيونيّة، المرتبطَ بفكرة "العودة إلى أرض الآباء"، في حين أدّى الانقلاب السياسيّ عام 1977 واعتلاء حزب الليكود سدّة الحكم إلى ترسيخ خطاب الصهيونيّة الدينيّة. هذا المسار استمرّ مع تزايد تغلغل المتديّنين في مؤسَّسات الدولة منذ الثمانينيّات، مؤكّدًا أنّ المشروع الصهيونيّ ينبغي فهمه على أنّه "سيرورة" مستمرّة ومتطوّرة، لا على أنّه مشروع مكتمل ونهائيّ.

في المداخلة الثانية، قدّمت المحامية عبير بكر مقارنة بين أداءِ المحكمة العليا الإسرائيليّة في ما يتعلّق بالْتماسات حقوق الإنسان وقضايا الاحتلال والحرب قبل السابع من تشرين الأوّل /أكتوبر (2023)، وأدائِها هذا نفسه بعد ذاك التاريخ. واستنتجت أنّ المحكمة مرّت بـِ "تحوُّل راديكاليّ"؛ إذ باتت تُغلِق أبوابها على نحوٍ منهجيّ أمام الْتماسات حقوق الإنسان المقدَّمة من الفلسطينيَين.

حدّدت بكر مجموعة من التكتيكات الجديدة التي تتّبعها المحكمة العليا، وتشمل فرْضَ غرامات باهظة، وتجنُّبَ عَقْد الجلسات، والمماطلةَ في الإجراءات، بالإضافة إلى إصدار قرارات شكليّة تُصدّق تلقائيًّا على مواقف النيابة العامّة، من دون إلزام الدولة بأيّ تغيير في سياساتها. كذلك رصدت ظهور "قِطاع جديد"، يتمثّل في القِطاع الخاصّ والمواطنين الأفراد الذين يمارسون نوعًا من "خصخصة الشرطة" في تعاملهم مع الفلسطينيّين. وقد اقترحت إستراتيجيّةً قانونيّة جديدة تركّز على ضرورة مواجَهة هذا القِطاع الناشئ. وأشارت إلى أنّ المحكمة العليا باتت تؤدّي دَوْر "محامي الدولة"، من خلال إعداد ملفّات قانونيّة تُستخدَم في الدفاع عن إسرائيل أمام المحكمة الجنائيّة الدوليّة، مؤكّدة أنّ هذا التدهور يعكس توحُّد مؤسّسات الدولة الإسرائيليّة في خدمة خطابها الرسميّ الموحّد.

خَلَصَ اللقاءُ إلى وجود تحوُّلات عميقة في المشهد الإسرائيليّ، حيث تتجّه الصهيونيّة نحو مزيد من التديين وتبنّي الرؤى التوراتيّة، في حين تفقد المؤسَّسات القضائيّة استقلاليّتها لتتحوّل إلى أدوات في خدمة الخطاب الرسميّ الموحّد. هذا الواقع يطرح تساؤلات جوهريّة بشأن طبيعة المشروع الصهيونيّ الحاليّ وآفاق استمراريّته، إلى جانب ضرورة التفكير في إستراتيجيّات فاعلة لمواجَهته.

الاكثر قراءة