برنامج المجتمع الفلسطيني/
أحداث / سلسلة لقاءات المنتدى الفكريّ والسياسيّ الإستراتيجيّ لتحليل تحوُّلات الداخل الفلسطينيّ (أيّار 2025)يواصل مدى الكرمل لقاءاته ضمن المنتدى الفكريّ والسياسيّ الإستراتيجيّ الذي يرمي إلى التفكير الجماعيّ في تطوير الخطاب والعمل السياسيّ، في ظلّ تحوُّلات بنيويّة عميقة يشهدها المجتمع الفلسطينيّ في الداخل. بُدِئ التفكير في هذا المشروع في صيف العام 2022، استنادًا إلى قراءات بحثيّة أجراها المركز، خَلَصَتْ إلى أنّ فَهم اللحظة الراهنة يظلّ قاصرًا إنْ لم يجرِ التعمُّق في التحوُّلات السياسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة التي شهدها الداخل خلال العَقْدَيْن الأخيرَيْن. ومع اندلاع حرب الإبادة على غزّة، برزت هذه الحاجة بإلحاح أشدّ؛ فقد كشفت الأحداث الأخيرة عن وجود اختلالات عميقة في المنظومة السياسيّة الفلسطينيّة داخل الخطّ الأخضر، تمثّلت في حالة من الجمود والانكفاء السياسيّ والمجتمعيّ خلال الأشهر الأولى من العدوان، وهو ما يستدعي مراجعة جذريّة لمفهوم العمل السياسيّ الجماعيّ وآليّاته، وإعادة التفكير في موقع فلسطينيّي الداخل ضمن المشروع الوطنيّ الفلسطينيّ الأوسع.
يسعى المنتدى إلى تأسيس مجموعة فكريّة إستراتيجيّة تُعنى بتحليل التغيُّرات السياسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة التي طرأت على واقع فلسطينيّي الداخل خلال العَقْدَيْن الماضيَيْن، ويرمي إلى إعادة التفكير في واقعهم على نحوٍ جماعيّ ونقديّ وإستراتيجيّ، مع التشديد على أهمّيّة الفعل السياسيّ في مواجهة تصاعد القمع الإسرائيليّ. كذلك يطمح إلى توفير مساحة حِواريّة لإعادة النظر في العَقْد الاجتماعيّ الفلسطينيّ وتطوير تصوُّر جديد لموقع فلسطينيّي الداخل داخل المنظومة السياسيّة الإسرائيليّة وعلاقتهم بالمشروع الوطنيّ الفلسطينيّ.
يضمّ المنتدى طيفًا واسعًا ومتنوّعًا من المشاركين من مختلف القِطاعات والمجالات، من بينهم سياسيّون، وأكاديميّون، وناشطون في الحراك الشبابيّ والطلّابيّ، وعاملون فلسطينيّون في مؤسَّسات إسرائيليّة في القِطاعَيْن العامّ والخاصّ، إلى جانب فاعلين في المجتمع المدنيّ والأطر الأهليّة والمؤسَّساتيّة، وناشطون في مجال الحقوق، وصِحافيّون.
خُصِّص اللقاء الأوّل، الذي عُقد في نهاية شباط /فبراير، لمناقشة الورقة المرجعيّة للمشروع، واتُّفِق خلاله على تخصيص اللقاءات المقبلة لمعالجة ستّة محاور مركزيّة بعمق: التحوُّلات السياسيّة في الداخل؛ التحوُّلات الاجتماعيّة-الاقتصاديّة؛ التحوُّلات في المجتمع المدنيّ-الأهليّ والحكم المحلّيّ؛ التحوُّلات في النظام والمجتمع الإسرائيليّ والعلاقة معهما؛ التحوُّلات على مستوى القضيّة الفلسطينيّة والإقليميّة؛ التحوُّلات العالميّة وتأثيرها على القضيّة الفلسطينيّة والداخل على وجه الخصوص.
أمّا اللقاء الثاني، الذي عُقِد في نهاية نيسان /أﭘـريل، فقد خُصّص لمناقشة محور التحوُّلات الاجتماعيّة والاقتصاديّة. تناولت الجلسة الأولى التحوُّلات الاقتصاديّة، حيث قدّم د. امطانس شحادة ورقة بعنوان "تأثير التحوُّل النيوليبراليّ على مشاركة المجتمع العربيّ في أسواق العمل في إسرائيل"، وتلاه خالد عنبتاوي بورقة حملت العنوان "الدمج النيوليبراليّ كمِصْيَدة – قراءة في التحوُّلات الاقتصاديّة والاجتماعيّة في المجتمع الفلسطينيّ في العَقدَيْن الماضيَيْن". أمّا الجلسة الثانية، فركّزت على الجوانب الاجتماعيّة للتحوُّلات، حيث عرض د. شهاب إدريس ورقة بعنوان "ثقافة الاستهلاك واختراقها للأسْرة الفلسطينيّة"، وقدّمت ناردين أرملي قراءة ميدانيّة في السلوك الاقتصاديّ وتَبِعاته الاجتماعيّة. أمّا الجلسة الثالثة، فتناولت تحوُّلات العنف والجريمة، وخلالها عرضت د. أريج صبّاغ-خوري قراءة سوسيولوجيّة في دراسة جمعيّة الشباب العرب "بلدنا" بشأن العنف والجريمة لدى الشباب في الداخل الفلسطينيّ، وشارك الصحافيّ ضياء حاجّ يحيى بورقة حملت العنوان: "تفكُّك الردع وتصاعد الجريمة – تحوُّلات الجريمة في المجتمع العربيّ الفلسطينيّ داخل إسرائيل". واختُتِمت الجلسة بعرض دراسة أجراها حبيب مخّول حملت العنوان: "الردع بالعمارة – سياسة إقامة مراكز الشرطة في البلدات العربيّة في الداخل الفلسطينيّ لـِ ‘‘مكافحة الجريمة’’". وقد تبعت الجلساتِ ورشاتُ نقاش بين أعضاء المجموعة تمحورت في رصد الفجوات البحثيّة، والبعد التطبيقيّ والسياساتيّ الذي تتّسم به المداخلات.
اللقاء الثالث، الذي عُقِد في نهاية أيّار /مايو، خُصِّص لمحور التحوُّلات في النظام والمجتمع الإسرائيليَّيْن والعلاقة معهما، وفيه عُرضت ورقتان. قدّمت د. هُنَيْدة غانم ورقتها التي حملت العنوان: "هل يواجه الفلسطينيّون خطرًا وجوديًّا؟"، وفيها تناولت قراءة معمّقة للأزمة الإسرائيليّة الراهنة وتداعياتها على الفلسطينيّين، في ظلّ المتغيّرات الإقليميّة والدوليّة المتسارعة. ركّزت الورقة على تشخيص طبيعة الأزمة وأسبابها، واستشراف السيناريوهات المحتمَلة، واختُتِمت بطرح مقترَح سياسيّ بديل للخروج من المأزق القائم. أمّا أنطون شلحت، فتناول في مداخلته التحوُّلات الجارية في إسرائيل، وعلى رأسها مساعي اليمين الإسرائيليّ الجديد، وبخاصّة منذ عودة نتنياهو إلى الحكم عام 2009، والتغيُّرات البنيويّة في الجيش الإسرائيليّ، ولا سيّما تصاعد الطابع الدينيّ داخله. وكذلك ناقش شلحت تحوُّلات الخطاب بشأن ما يُسمّى "الديمقراطيّة الإسرائيليّة"، وتناول النقاشُ تشخيص المفترق الراهن في علاقة إسرائيل بفلسطينيّي الداخل بوصفه نتاجًا مباشرًا لهذه التحوُّلات.
وسيتناول اللقاء القادم، الذي سوف يُعْقَد في تمّوز /يوليو، التحوُّلات الجارية في الحقل السياسيّ والحكم المحلّيّ في الداخل، فضلًا عن التحوُّلات في المشروع الوطنيّ وفي الحقل الإقليميّ وآثار هذه التحوُّلات على الداخل.
يندرج هذا المنتدى في إطار مشروع أوسع يطمح إلى بناء معرفة سياسيّة جماعيّة، تُسائل اللحظةَ الراهنة بوصفها لحظة تحوُّلٍ تتطلّب إعادة نظر جذريّة في موقع فلسطينيّي الداخل داخل النظام الاستعماريّ، وفي علاقتهم بالحقل السياسيّ الفلسطينيّ. ومع استمرار اللقاءات القادمة، يوفّر المنتدى فضاءً جماعيًّا للتفكير النقديّ في شروط الفعل السياسيّ وآليّاته وأدواته، ويسعى إلى بلورة مداخل جديدة للفَهم والمراكمة، في سبيل تجاوز الانسداد القائم واستعادة الفاعليّة السياسيّة والمجتمعيّة على أسس تحليليّة وإستراتيجيّة.
ومن المتوقَّع أن تتوَّج هذه الجهود البحثيّة والفكريّة الجماعيّة بإصدار بيان سياسيّ يستند إلى تحليل للتحوُّلات الراهنة، ويحدّد إستراتيجيّات عمليّة ومحاذير للمرحلة المقبلة، فضلًا عن العمل على إصدار دليل بشأن الداخل يشكّل مرجعيّة لهذه المرحلة؛ إذ إنّ المناقشات الداخليّة في إطار المجموعة تشكّل إثراءً لهذا الإصدار.