برنامج الدراسات النسوية/
أحداث / النسوية المناهضة للعنصرية والنسوية العنصرية في السياقين الكندي والإسرائيلي"يسعدني أن أنقل إليكن تجربتنا النسوية في كندا وأشارككن قضايانا، وفي نفس الوقت التعلم من تجربتكن هنا في فلسطين. فثمة العديد من أوجه الشبه بين هنا وهناك من ناحية السياق التاريخي، وهنالك بعض أوجه الاختلاف. فأيضا كندا هي دولة استعمارية استيطانية وعنصرية، قامت على معاداة السكان الاصلانيين (الهنود الحمر المعروفين باسم شعب أبورجينال) وسلبهم".هكذا افتتحت البروفيسور سونيرا طوباني محاضرتها أمام العشرات من الناشطات النسويات, في اليوم الدراسي الذي عقدته جمعية نساء ضد العنف وبرنامج الدراسات النسوية في مدى الكرمل , أمس الأربعاء , تحت عنوان " النسوية المناهضة للعنصرية ".
والبروفيسور طوباني هي محاضرة في برنامج الدراسات النسوية ودراسات النوع الاجتماعي في جامعة UBC في كندا. تناولت في العديد من الأبحاث مواضيع العولمة، المواطنة، الهجرة، العنصرية وعلاقات النوع الاجتماعي. كما نشرت العديد من المقالات في دوريات ومجلات عالمية متخصصة في قضايا النساء، دراسات النوع الاجتماعي، اللاجئين والقانون.
وكانت افتتحت الندوة وأدارتها السيدة عايدة توما – سليمان مديرة جمعية نساء ضد العنف، فأشارت إلى أن عقد اليوم الدراسي يأتي ردا على ازدياد ظواهر العنصرية في ضد الفلسطينيين في المجتمع الإسرائيلي وتحولها إلى نهج روتيني ويومي , مؤكدة أن هذه نتيجة قد تكون حتمية في نظام مثل المسيطر في إسرائيل والمبني على الأثنوقراطية وتفضيل مجموعة من المواطنين على مجموعة أخرى، نحن الفلسطينيين. وأضافت توما- سليمان بأن النضال النسوي الذي تخوضه النسويات الفلسطينيات داخل إسرائيل له اشكالياته وكثيرا ما يصطدم هذا النضال بظواهر عنصرية داخل الحركة النسوية الإسرائيلية , وذكرت بعض النماذج.
وتركزت البروفيسور طوباني في محاضرتها بالحديث عن السياق التاريخي للسكان الأصلانيين في كندا وعن كيفية بناء "الأمة" الكندية على أساس عنصري وكولونيالي. وقالت إن النقاش المعاصر حول كندا، تعريفها وماهيتها يدور عبر خطاب عنصري. ثم تطرقت إلى النسويات البيض في كندا وقالت "صحيح إنهن (النسويات البيض) يعانين من العنصرية كما النساء الأصلانيات، إلا أن العنصرية لا تشكل عقبة أمامهن، بل إنهن استفدن من العنصرية الكندية ضد شعب أبورجينال وضد النساء الأصلانيات، واستفدن من الأرض المسروقة. نحن لا نتحدث هنا عن التاريخ والماضي، والعنصرية في كندا ليست من عداد الماضي، بل تتم إعادة إنتاج هذا الواقع يومياً . فنحن نتحدث عن مجتمع استعماري استيطاني قام على أسس العنصرية ضد السكان الأصلانيين".
خلال محاضرتها ذكرت طوباني العديد من الأمثلة الشخصية عن معاناة النساء من أصول أسيوية من العنصرية الكندية بشكل يومي، فذكرت أنها سكنت في عدة مناطق في كندا وعندما كانت تسجل ابنتها في المدرسة كانوا يطلبون منها في كل مرة جواز السفر وشهادة ميلاد البنت، وهو ما لا يطلب من البيض بتاتا. كما ذكرت إنها تدرس في الجامعة مع العديد من الزملاء المهاجرين، ودائما تٌسأل من أين هي بينما لا يتم طرح هذا السؤال على زملائها المهاجرين البيض.
ركزت البروفيسور طوباني خلال محاضرتها على دور النسويات البيض في كندا، وأشارت إلى أن نظريتهن النسوية قامت بسبب تجربتهم المختلفة على أسس عنصرية. فالنساء (والنسويات) البيض يعملن في مؤسسات الدولة وتم التعامل معهن تاريخيا على أنهن موّلدات للأمة الكندية الجديدة، وانه عندما هاجرن إلى كندا كن قد حصلن على ظروف حياة حتى أفضل مما كان لديهن. "لقد تم التعامل معهن على أنهن أمهات الأمة الجديدة. وهن لم يناضلن من أجل أهداف مشتركة مع النساء الأصلانيات، بل ناضلن من أجل أهداف مشتركة مع الرجال البيض. لذلك كن وما زلن جزء من إنتاج العنصرية ضد السكان الأصلانيين. هؤلاء طالبن في حينه المشاركة في الحرب على أفغانستان مثل الرجال البيض، ويرفضن التعامل مع سياسات الهجرة كموضوع نسوي كما يرفضن التعامل مع الامبريالية كموضوع نسوي"، قالت طوباني. وتجدر الإشارة إلى أوجه الشبه العديدة بين الممارسات الكولونيالية ضد السكان الأصلانيين في كندا وبين الممارسات الكولونيالية والعنصرية الصهيونية ضد السكان الأصلانيين في فلسطين، كما تبين من محاضرة البروفيسور طوباني، مثل العنصرية والتمييز في برامج التعليم، قوانين الهجرة، وقوننة العنصرية.
بعدها تحدثت بروفيسور نهلة عبدو عن العنصرية في السياق الإسرائيلي. فأشارت إلى التشابه الكبير بين النموذجين، الكندي والإسرائيلي. وقالت إن ما قيل عن النسويات البيض في كندا وعنصريتهن ينطبق تماما على النسويات اليهوديات الإسرائيليات. ثم انتقدت الخطاب الأثني والتعامل مع السكان الفلسطينيين في إسرائيل كمجموعة أثنية كباقي المجموعات الأخرى مثل الروس والإثيوبيين وحتى الييهودي الشرقي والغربي المهاجر/ مستعمر) وقالت إن هذا الخطاب يموّه الواقع الكولونيالي العنصري للدولة، ويضع الجميع في خانة واحدة متساوية. كما تطرقت بروفيسور عبدو خلال محاضرتها إلى إشكاليات الحركات القومية بشكل عام في عدم وضوح رؤية هذه الأيديولوجية لدور الطبقة ، وبشكل اساسي في تعاملها مع النساء. فقالت إن كل مجتمع بحاجة للنساء لتوليد الأمة الجديدة وتوليد جيش هذه الأمة، فيتم التعامل مع النساء ك "أداة تفريخ". وبعد أن أكدت الفروق بين قومية الدولة الكولونيالية الإستيطانية وقومية حركات التحرر ضد الكولونيالية، أضافت "أنه ثمة إشكالية بين القومية والجنوسة. فالقومية بمؤسساتها وتنظيماتها يصيغها الرجال ويحكمونها. إذ عادة ما تستثنى المرأة من عملية صنع وأخذ القرار في تلك المؤسسات. ومن هنا تظهر العلاقة الوطيدة بين الذكورية وبين القومية. وتناولت بروفيسور نهلة عبدو إشكالية العلاقات بين النسويات الفلسطينيات والنسويات اليهوديات الإسرائيليات في ظل نظام كولونيالي وفصل عنصري وأكدت أن التعاون بين الطرفين ممكن فقط إذا كانت النسويات اليهوديات مناهضات للصهيونية ولا يعترفن بشرعية يهودية الدولة . وفي ختام محاضرتها قالت عبدو إنه يمكن إلغاء الطابع الاستعماري والطابع اليهودي والصهيوني للدولة عن طريق إقامة دولة واحدة علمانية مشتركة. وقالت إن مثل هذا الكيان يمكنه أن يزيل العديد من أشكال القمع القومي والنسوي.
ثم القت د. نادرة شلهوب- كيفوركيان مديرة برنامج الدراسات النسوية في مدى الكرمل محاضرة بعنوان "العنصرية، النسوية، فيزياء القوة". شددت المحاضرة على ثلاثة محاور رئيسية لتحليل العنصرية والنسوية، الاول هو تأريخ العنصرية لتفكيكها وفهمها، الثاني تحليل السياق الفلسطيني وتأثيره على ادوار ومكانة المرأة الفلسطينية بمراحله التاريخية المتفاوتة، وبحيزه الجغرافي المختلف والمشتت، والمحور الثالث تحليل ديناميكيات القوى المحلية، الاقليمية والعالمية. وختمت محاضرتها بطرح السؤال: "كيف يمكن للمرأة الفلسطينية والتي أصبحت بين ليلة وضحاها أقلية وطن في وطنها المسلوب، ممارسة العمل النسوي الضد العنصري وضد الامبريالي برغم الاشتباك والتعقيد؟ كيف يمكنها انتاج معرفة مقاومة وممارسات نقدية برغم صراعات القوة في سياق الهيمنة الجغرافية، والاقتصادية، والفكرية,، واللاخلاقية للسياسات العنصرية والتي لعبت دورا حاسما في تبرير جرائم الدولة اليهودية، وادت الى دعمهن للاستعمار الصهيوني لدرجة مأسسة الامنيسيا الغربية لحق الفلسطيني/ة في الحياة؟ وانهت د. شلهوب-كيفوركيان المحاضرة بقولها ان تحديات التنظير والعمل النسوي الفلسطيني تتطلب التعمق بما اسميته "فيزياء القوة" المؤدي الداعم للعنصرية، والتي تكاثفت مع تكاثف المأسسة العالمية لامنيسيا حق الحياة للفلسطيني/ة، والتي حددت موقعة المرأة الفلسطينينية في تاريج وجغرافيا واقتصاد القضية الفلسطينية- التي ما زالت تعاني من العنصرية الممأسسة.
وركزت على ضرورة قراءة وتحليل فيزياء القوة وليس فقط كيمياء القوة لفهم الواقع. بعدها دار نقاش بين المشاركات وجهت خلاله العديد من الأسئلة للمحاضرات، والذي تمحور في أغلبه حول العلاقة بين النظريات النسوية وبين النضال الميداني، من هم شركاء النضال، القومية والنسوية.