بــطالة وإقصاء:
الأقلية العربية في أسواق العمل في اسرائيل
امطانس شحادة
(تشرين أول2004)
ملخص:
يحاول البحث فحص مجمل الصعوبات التشغيليّة اليومية التي يواجهها العرب في إسرائيل، في العقد الأخير، من خلال فحص مركّبين أساسيّين لصعوبات التشغيل. المركب الأول والمركزي هو البطالة، أما المركب الثاني، والذي يحظى بالقليل من الاهتمام العامّ والسياسيّ، فهو الإقصاء المستمر للمواطنين عن سوق العمل.
كما وتحاول هذه الدراسة أن تفسّر سبب كون التسعينيّات نقطة تحوّل من حيث تفاقم الضائقة وصعوبات التشغيل في صفوف العرب في إسرائيل. حيث شهدت هذه الفترة تحوّلات جذريّة في الاقتصاد الإسرائيليّ عامّةً، وفي اقتصاد الأقلّيّة العربيّة خاصّة. وكان لهذه التحوّلات إسقاطات بعيدة المدى على سوق العمل والتشغيل في الدولة. إضافة الى ذلك، تشمل الحقبة المذكورة فترات محدودة من الازدهار والنمو الاقتصاديّين، وفترات محدودة أخرى من الخُبُوّ والركود، وهذا ما يمكّننا من إجراء الفحص الديناميّ لصعوبات التشغيل على امتداد فترتين اقتصاديّتين، وفحص تأثير ذلك على المجموعات السكّانيّة المختلفة في الدولة.
شهدت مرحلة التسعينيّات تحوّلات على الساحتين الإسرائيليّة- الداخليّة والدولية، وبدأت عوامل جديدة تلعب دورا في هذه الفترة. أولا، موجة الهجرة الجماعيّة المتدفّقة من الاتّحاد السوفييتيّ. ثانيًا، شهدت هذه السنين تحوّلات سياسيّة أدّت هي الأخرى الى تجديدٍ ما في طابع دولة إسرائيل على المستويات السياسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة، وفي العلاقات بينها وبين الأقلّيّة العربيّة، بالإضافة الى التحوّلات التي طرأت على مكانتها وعلاقاتها مع دول العالم، وعدد كبير من الدول العربيّة. اذ بدأ المستثمرون الإسرائيليّون ينقلون مصانعهم الى خارج الدولة بحثًا عن الأيدي العاملة الرخيصة. ثالثًا، شهدت هذة الفترة عمليّة انخراط الاقتصاد الإسرائيليّ في الاقتصاد العالميّ، إزالة الحواجز والعقبات التجاريّة، وإلغاء القيود واعتماد سياسة فتح الأبواب (Liberalization)، وبداية عمليّة تبنٍّ لاقتصاد السوق الحر، وتبنٍّ لقواعد اللعبة التي تفرضها عمليّة العولمة. رابعا، شهدت تلك السنوات بدايات استيراد العمالة الأجنبية. ويضاف الى تلك العوامل عامل خامس، يتمثّل في دخول دولة إسرائيل في فترة ركود اقتصاديّ في العام 1997 وصلت الى أوجها في أيامنا هذه، مع فترة انفراج قصيرة جدًّا في العام 2000.
ينطلق البحث من رؤية الصعوبات التشغيليّة، في إسرائيل عامّةً، وفي صفوف الأقلّيّة العربيّة خاصّة، بانها ليست ظاهرة اقتصاديّة صِرفة، فهي تعكس تعامل الدولة مع سكّان الأقلّيّة، وكذلك طريقة توزيع مراكز القوّة والوظائف في الدولة. من هنا يرى ضرورةُ دمَج العوامل سالفة الذكر، مع الشروط الأساسيّة لسوق العمل في دولة إسرائيل، وفهم وإدراك الشروط التي حُدّدت مع إقامة الدولة، للإبقاء على دونيّة الأقلّيّة العربيّة. وإذا أضفنا إلى ذلك طبيعة وتركيبة القوّة العاملة العربيّة، تصبح هذه القوّة العاملة معرّضة للضرر، أكثر من غيرها نتيجة التغييرات التي حصلت في فترة التسعينيّات.
لذا، يقترح البحث تقسيم سوق العمل في إسرائيل بشكلين: الأول، بين سوق العمل المركزيّة وسوق العمل الهامشيّة؛ والثاني بين سوق العمل القطريّة وسوق العمل المحلّيّة- الإثنيّة، التي يعبَّر عنها من خلال وجود جيب اقتصاديّ وجيب تشغيليّ خاص بالجمهور العربيّ. هذا التقسيم المزدوج، وكذلك الحِراك الداخليّ في أسواق العمل، والتفاعلات الحاصلة بينهما، يحدّدان – إلى مدى بعيد - الصعوبات التشغيليّة التي يواجهها السكّان العرب في دولة إسرائيل، ويخلق الدونية والغبن المتراكمَين، ويحدّد المميّزات الشخصيّة للعاملين، ومميّزات التصنيع، وتركيبة القوّة العاملة والثروة البشريّة، وتركيبة الفروع التشغيليّة، والبطالة والمشاركة في القوّة العاملة، ومستوى الحراك الاجتماعيّ، إضافة الى التفاضل بين المجموعات السكّانيّة.
البحث مبني من ستة فصول. الفصل الاول يتطرق الى الشق النظري للبطالة والإقصاء عن سوق العمل. الفصل الثاني، يصور بروفيل (تحديد ملامح) العاطل عن العمل في التسعينيّات. الفصل الثالث يرسم تضاريس سوق العمل المحلّيّة (العربية). الفصل الرابع يتطرق الى صعوبات التشغيل في أوساط الأقلّيّة العربيّة- مميّزات أساسيّة. ويخصص الباحث الفصل الخامس لبحث وضع النساء العربيّات في سوق العمل، والفصل السادس لبحث وضع الرجال العرب في سوق العمل.