برنامج المجتمع الفلسطيني/
أحداث / الثّقافة والكولونياليّة: اللّقاء الثّالث لورشة الكولونياليّة الاستيطانيّة والصهيونيّةعقد مدى الكرمل اللّقاء الثّالث من الورشة الأكاديميّة حول الاستعمار الاستيطانيّ والصّهيونيّة، والمعدّة لطلبة الدّراسات العليا والخرّيجين الذين حصلوا على اللّقب الثّالث في السّنوات الثّلاث الأخيرة، وذلك من 18 ولغاية 20 آذار 2016، في مدينة عمان. تناول اللقاء موضوع "الثّقافة والكولونياليّة"، وتمّت، خلاله، معالجة الموضوع من زوايا مختلفة: الأدب، والثقافة كمقاومة، والجندر، وكذلك دور الثّقافة في حالة الضّمور والانكفاء السياسيّين.
افتتح اللّقاء البروفسور نديم روحانا، مدير الورشة، وأدار الجلسة الافتتاحيّة، التي كان هدفها الاستماع إلى المشاريع البحثيّة الخاصّة بأعضاء الورشة، والتي يتناول معظمها أحد جوانب سياق الاستعمار الاستيطانيّ في فلسطين؛ ومنها: الحيّز الجغرافيّ، والحدود، والحياة اليوميّة، والجندر، والتهجير، وغيرها.
كانت المحاضرة الأولى للأديب اللّبناني إلياس خوري، الذي تحدّث عن "مقاومة الثّقافة"، حيث قال بأنّ الثّقافة، في الحالة الفلسطينيّة، هي فعل مقاوم، مضيفًا بأنّه لا وجود لثقافة بلا أساس أو قاعدة أخلاقيّة. ثم أشار إلى أنّ القاعدة الأخلاقيّة، التي بنيت عليها الثّقافة الإسرائيليّة، انهارت في سنوات السبعينيّات، حين تطوّرت ثقافة مستوطنين. وفي سياق أعمّ، قال بأنّ التجربة الثّقافية للمستعمِر انهارت في القرن العشرين لأنّ جوهرها الأخلاقيّ انتهي. وأضاف الكاتب بأنّه، وعلى الرغم من صحة الادعاء القائل بأنّ الثّقافة الفلسطينيّة هي ثقافة مقاومة، وأنّ الثّقافة الإسرائيليّة هي ثقافة استعمار استيطانيّ، إلّا أنّه ادعاء سطحيّ، ويجب تطويره والتدقيق في تفاصيله لكشف نقاط التّقاطع والاختلاف والزّوايا المختلفة. وتحدّث خوري أيضًا عن النتاجين الأدبيّين، الفلسطينيّ والصهيونيّ، وتناول تطوّرهما قبل العام 48، وبعده، وكذلك المرجعيّات الأخلاقيّة لكلٍّ منهما.
شارك في الجلسة الثّانية، التي بدأت في اليوم الثّاني للورشة، كلٌ من طالبة الدّكتوراه ميساء اشقير، والأستاذ خالد فوراني. قدّمت اشقير عرضًا لكتاب فرانس فانون "معذّبو الأرض"، مركّزة، على وجه الخصوص، على الفصلين: الأول (عن العنف)، والثّالث (في الثّقافة الوطنيّة)، وعلى نقاشهما في السّياق الاستعماريّ في فلسطين؛ كون الحالة الاستعماريّة، التي يتناولها الكتاب، الجزائر، هي حالة استعمار استيطانيّ مشابهة للحالة في فلسطين. وتركّز النّقاش حول دور المثقّف في تعزيز الوعي الوطنيّ في الحالة الفلسطينيّة، ونقاط التّشابه والاختلاف ما بين الاستعمار في الجزائر والاستعمار في فلسطين، والعنف، وأسئلة العنف، وأدبيّات ما بعد الاستعمار في الحالة الفلسطينيّة. بدوره، قدّم الأستاذ فوراني محاضرة عنوانها "محطات في سؤال الكولونياليّة من سيرة أنثروبولوجيّة"، متحدّثًا عن سبب اختياره موضوع علم الإنسان، وثمّ موضوع فلسطين والشّعر الفلسطينيّ تحديدًا من منظور أنثروبولوجيّ. أشار فوراني، في المحاضرة، إلى أنّه اختار علم الإنسان لأنّه كان يبحث عن مساحة شك أوسع من موضوع الحداثة، غير تلك الموجودة في فروع معرفيّة أخرى. ثم أضاف أنّه اختار الشّعر الفلسطينيّ لأسباب منها المنهجيّ، ومنها كون الشعر جسمًا معرفيًّا في تاريخ العرب، وكونه نوعًا ممّا تبقّى للفلسطينيّين.
في الجلسة الثالثة، قدّمت الأستاذة هنيدة غانم محاضرة عنوانها "جينولوجيا المستعمَرة في الخطاب الفلسطينيّ: من الكوبانيّة وحتى البؤرة". عالجت المحاضرة تطوّر مفهوم المستعمَرة في الخطاب الفلسطينيّ، منذ بدء المشروع الصهيونيّ وحتى اليوم. بدأت غانم باستعراض المحطات التاريخيّة المختلفة، وتأثيرها على صياغة الخطاب الفلسطينيّ تجاه المشروع الاستيطانيّ الصهيونيّ عامة؛ وتوقّفت، بشكل خاصّ، عند تطوّر مفهوم "الكوبانيّة"، وهو المصطلح الذي استخدِم قبل العام 1948 لوصف المستعمرات الصهيونيّة، في مقابل استعمال مصطلح "الخواجا" لمفهَمة العلاقة مع المستعمِر، وتمييزه عن مفهوم العلاقة مع اليهود العرب الذين كانوا بفلسطين. ثم انتقلت غانم إلى تغيّر العلاقة بين الخواجا/الكوبانيّة والفلسطينيّ، بتأثير انتفاضة البراق، ثمّ الثوّرة العربيّة الكبرى، وصولًا إلى النّكبة، حيث أذيبت الحدود بين الفئات المختلفة من اليهود، وتمّ إدراجهم، جميعًا، تحت مفهوم المستعمِر. وأضافت غانم بأنّ حرب العام 1948 شكّلت لحظة مفصليّة في انتصار نموذج المستعمَرة على "الكوبانيّة". وقد تغيّرت العلاقة تحت تأثير التغيّرات الاجتماعيّة والسّياسيّة، إذ بدأ ظهور مصطلح المستعمِر، ثمّ تطور بعد العام 1967 ليتمّ استخدام مفهوم المستوطِن والمستوطَنة بغية التّمييز بين منطقة الـ67 ومنطقة الـ48. واستمر تأثُّر الخطاب والمفاهيم بعلاقات القوّة الموجودة، حيث ظهر تدريجيًّا تمييز بين فئات مستوطنين مختلفة: "مستوطن جيّد" و"مستوطن عنيف"، وبين "مستوطنة شرعيّة" وأخرى "غير شرعية".
في الجلسة الثّالثة، قدّمت طالبة الدّكتوراة راوية أبو ربيعة محاضرة بعنوان "النّساء الفلسطينيّات البدويّات: ما بين القانون، الجنوسة والكولونياليّة"، وهو موضوع بحثها للّقب الثّالث. أوضحت أبو ربيعة، خلال محاضرتها، أنّ بحثها يهدف إلى تحليل سياسات السّيطرة الإسرائيليّة التي تتعلّق بأحكام الأحوال الشّخصية لدى النّساء الفلسطينيّات البدويّات من منظور تاريخيّ كولونياليّ، وذلك من خلال التّعامل مع سياسات أحكام الأحوال الشّخصيّة وأنظمتها لدى النّساء الفلسطينيّات في قضاء بئر السّبع في فترة الاستعمار البريطانيّ الكولونياليّ في فلسطين، وانعكاسات تلك السّياسات والأنظمة على الجهاز القانونيّ والقضائيّ الإسرائيليّ الحالي، كنظام استعمار استيطانيّ. وأوضحت بأنّ التّحليل الذي تقوم به يتمحور حول التّشابك ما بين القانون، والجَنوسة، والكولونياليّة. ادّعت أبو ربيعة، في محاضرتها، أنّ سياسات السّيطرة الإسرائيليّة تمتاز بتعزيز الهويّة القوميّة للدّولة اليهوديّة من خلال المحافظة على القواعد والمعايير الاجتماعيّة والدّينية لدى المجتمع الفلسطينيّ عامةً، والمجتمع البدويّ على وجه الخصوص، مضيفة أنّ المحاكم الشّرعية هي من أهم المحافل التي تتمّ من خلالها ممارسة السّيطرة الكولونياليّة، خاصة في الأحكام التي تتعلّق بالزّواج والطّلاق، والتي تُعزّز القيم الأبويّة، وتبرز الحدود القوميّة ما بين المجتمعين الإسرائيليّ والفلسطينيّ.
في الجلسة الأخيرة لليوم الثاني، ناقش الأستاذ نديم روحانا مع المجموعة فكرة استطلاع رأي عامّ، سيقوم به مدى الكرمل، بين الإسرائيليّين حول "ملامح المشروع الكولونياليّ الاستيطانيّ في الرأي العامّ الإسرائيليّ". قام روحانا بعرض أهداف الاستطلاع، وقدم المشاركون تصوّراتهم للمواضيع الّتي من المهم أن يتعرّض لها الاستطلاع، وبالتالي، الأسئلة الّتي من المهم توجيهها إلى الجمهور الإسرائيليّ، والّتي من شأنها إبراز حضور مواقف وتوجّهات تعكس طبيعة المجتمع الإسرائيليّ. من ضمن المحاور التي تمّت الإشارة إليها: المواقف تجاه اللّغة العربيّة والثّقافة العربيّة، والموقف من الاستيطان، ومن تقاسم الأرض، ومن الفصل السّكانيّ، وكذلك المواقف من العلاقة بين العرب واليهود، ومن الصّراع العربيّ - الإسرائيليّ.
وفي اليوم الثالث للورشة، قدّم النّاقد الفلسطينيّ الأستاذ فيصل درّاج محاضرة حول الثّقافة الفلسطينيّة. أشار، خلالها، إلى أنّه برغم انشغاله، طيلة حياته، بالثّقافة الفلسطينيّة إلّا أنّه لا يزال يراها موضوعًا مغترِبًا؛ فهي ذات علاقة عضويّة بالمشروع السّياسيّ، إلّا أنّ المشروع السّياسيّ الفلسطينيّ لا يعترف بها، ولا ينتمي إليها، وبالتالي، بقيت ثقافه هامشيّه حتى اليوم. برأيه، فإنّ أفضل تجلّيات الثّقافة تتمثّل بالقيم؛ فالكفاح الوطنيّ هو تعبير عن الثّقافة، والنزوع إلى التّحرر هو تعبير عن الثّقافة. لذا، وجِدَت هذه الثّقافة في شكلها الأعلى عند اللّامرئيّين من البسطاء والمقموعين، كالفلاحين الذين قاموا بثورة العام 36، والمرأة التي قادت انتفاضة العام 87، ولكن دون أن تتمّ ترجمة هذا المضمون القيميّ الكبير إلى منتوج سياسيّ. أي إنّه لا ثقافة دون سياسه ثقافيّه رائدة، ولا يكون النّزوع السياسيّ صحيحًا، إلا بنزوع ثقافيّ صحيح، ولا إمكانيّة للثّقافة، على الإطلاق، من دون نزوع سياسيّ وطنيّ نقديّ. كذلك، تناول درّاج، في الجلسة، تاريخ اهتمامه بالشّأن الثقافيّ كفلسطينيّ شكّل الاغتراب جزءًا كبيرًا من تجربته. وتحدّث عن بعض الأعلام في الثّقافة العربيّة والفلسطينيّة، والذين أثّروا به، واعتبرهم مرجعيّات ثقافيّة له، ومنهم: روحي الخالدي، ونجيب نصّار، وخليل السكاكينيّ. وتناول درّاج بعض الطليعيّين في الإبداع والثّقافة الفلسطينيّين، منهم: غسان كنفاني، وجبرا إبراهيم جبرا، وإميل حبيبي. وحول الوضع الفلسطينيّ الحالي، أشار درّاج إلى أنّ ارتباك المنظور السياسيّ أدّى إلى أنّ ما يدور في فلسطين اليوم هو "موت مرتجل"، حيث، وفي غياب مشروع وطنيّ سياسيّ جامع، لن تصل الثّقافة الفلسطينيّة إلى شيء كبير، وستظل مقتصرة على مجموعة أصوات نقديّة ومضيئة، ولكنّها قليلة.
في الجلسة الأخيرة، قدّم السّوسيولوجيّ الفلسطينيّ الأستاذ جميل هلال محاضرة عنوانها "نحو إعادة الاعتبار للرّواية التّاريخيّة الفلسطينيّة"، شدّد، في بدايتها، على أهميّة الحيّز الثّقافيّ الفلسطينيّ في ظل ضمور الحيّز السّياسيّ، ثمّ قام بتحليل للوضع الفلسطينيّ السياسيّ، مركّزا على أربعة محاور: الأول، استمرار المشروع الاستيطانيّ الاستعماريّ؛ والثّاني، هيمنة خطاب اختزاليّ تضليليّ حول المسألة الفلسطينيّة، تمّ، خلاله، تشويه ما يخص الجغرافيا والديموغرافيا، واختزال فلسطين إلى الضّفة الغربيّة وغزّة، واختزال القضيّة لقضية احتلال، واختزال النّضال إلى ثنائيّة مفاوضات سلميّة، مقابل مقاومة سلميّة، وكلاهما نخبويّ في مضمونه؛ أمّا المحور الثّالث، فهو التّحوّل في بنية الحقل السّياسيّ الفلسطينيّ، وفي التّكوين الاجتماعيّ. حيث رأى أنّ التّحوّل الأكبر في هذا المحور هو تفكيك الحقل السّياسيّ الفلسطينيّ إلى مكوّناته الجغرافيّة، وعزلها عن بعضها البعض في ظلّ غياب دولة. وتفكّك الحركة الوطنيّة قبل إنجاز دولة في ظرف تستحيل فيه إقامة دولة؛ وفي المحور الرّابع، أشار هلال إلى غياب مرجعيّة مركزيّة للشّعب، وفقد الشّباب ثقتهم بالمجتمع السّياسيّ الرّسميّ. وادّعى هلال أنّه، في ظلّ هذه الظروف السّياسيّة والاجتماعيّة، فإنّنا نشهد أنّ الحقل الثّقافيّ أكثر تحرّرًا من القيود الفاعلة في الحقل السّياسيّ، ولذلك، يجدر الاستثمار في هذا الحقل، والحفاظ، من خلاله، على الرّواية الفلسطينيّة، بحيث لا تتفتّت، ولا تتبدّد مثلًا من خلال بناء صلات على الصّعيد الثّقافيّ، وإعادة بناء المشروع الفلسطينيّ التّحرّريّ على أساس قاعديّ يمثّل فيه كلّ الفلسطينيّين في جميع أماكن تواجدهم.
وفي الجلسة الختاميّة، التي أدارها الأستاذ نديم روحانا، أشار روحانا إلى أهميّة تقديم المشاركين لاقتراحاتهم للمساهمة في الكتابة، وإلى أن تعمل المجموعة معًا على مراجعة المسوّدات، والمساهمة في تطوير الأفكار من أجل إنتاج كتاب بحثيّ متكامل حول الكولونياليّة الاستيطانيّة والصهيونيّة. كما أشار المشاركون، خلال الجلسة، إلى أنّ اللّقاء ساهم في بناء مجموعة بحثيّة فلسطينيّة مثابرة ومنسجمة. وأشار روحانا، ختامًا، إلى إمكانيّة عقد لقاء في أيار، 2016، مع بعض المؤرخين الفلسطينيّين المختصين بدراسة الصهيونيّة.