big-img-news
بواسطةMada Admin | 26 سبتمبر 2025

ورشة "الأجندات البحثيّة في أعقاب حرب الإبادة على غزّة"، اللقاء الثاني- آب 2025

عقَدَ مدى الكرمل اللقاء الثاني من ورشة الأجندات البحثيّة يوم السبت الـ 23 من آب المنصرم (2025). تركّز اللقاء في موضوع "قراءة في الإنتاج الإسرائيليّ حول غزّة والسابع من أكتوبر وإسرائيل". افتتح اللقاءَ أ‌.د. نديم روحانا، أستاذ العلاقات الدوليّة ودراسات الصراع ومدير مركز "فارس" للدراسات الشرق أوسطيّة في كلّيّة القانون والدبلوماسيّة في جامعة "تافتس" في بوسطن، إذ قدّم مداخلة حملت العنوان "الأَجِنْدة البحثيّة ما بعد حرب الإبادة: نقاش في الأسئلة". تناول خلال مداخلته التحوُّلات الجذريّة في الفكر الصهيونيّ التي بدأت قبل السابع من تشرين الأوّل وتكشّفت بوضوح بعده، وركّزت على صعود الصهيونيّة الدينيّة المعاصرة كقوّة مُهَيْمِنة في صناعة القرار الإسرائيليّ. أكّد روحانا على وجود علاقة مباشرة بين هذا الصعود وأزمة الشرعيّة التي تواجهها إسرائيل، وأوضح كيف انتقلت من الاعتماد على المبرِّرات القانونيّة الدوليّة والأمنيّة إلى الشرعيّة الدينيّة القائمة على الوعد الإلهيّ وأرض الميعاد، ممّا يعكس تحوُّلًا عميقًا في طبيعة المشروع الاستعماريّ الاستيطانيّ. كذلك ميّز روحانا بين الأدوات السابقة للمحو الديمـﭼـرافيّ والسياسيّ والإبادة الجسديّة الحاليّة، معتبرًا السابع من تشرين الأوّل نقطة تحوُّل حاسمة. وختم بطرح أسئلة معقّدة حول ضرورة تطوير خطاب فلسطينيّ جديد يواجه هذه التحوُّلات.

أمّا الجزء الثاني من اللقاء، فقد تمحور حول نقاش تحليليّ مكثَّف للأزمة الإسرائيليّة ما بعد السابع من تشرين الأوّل، من خلال استعراض كتابَيْن لمؤرّخَيْن ومفكّرَيْن إسرائيليَّيْن بارزَيْن.

قدّمت عضوة الورشة إيمان جبّور عرضًا لكتاب المؤرّخ الإسرائيليّ آدم راز "الطريق إلى السابع من تشرين الأوّل" الذي يدّعي أنّ سياسات بنيامين نتنياهو ليست مجرّد انتهازيّة، بل هي تنطلق من أيديولوجيا تهدف إلى منع تقسيم "أرض إسرائيل التاريخيّة" وتكريس الاحتلال. وركّزت جبّور في مناقشتها على طرح راز مفهوم "تَلاقي المصالح" بين نتنياهو وحركة حماس، والذي خدم -برأي الكاتب- سياسة الفصل الإسرائيليّة بين الضفّة الغربيّة وقِطاع غزّة، وإضعاف السلطة الفلسطينيّة مقابل الحفاظ على قوّة حماس.

أشارت جبّور في ملاحظاتها النقديّة إلى أنّ النقاش الذي يطرحه الكتاب يبقى داخل "البيت الصهيونيّ"، وأنّ التركيز على نتنياهو وحده يتجاهل دَوْر المؤسَّسات الإسرائيليّة الأخرى، كالمؤسَّسة الأمنيّة، في صياغة وتطبيق سياسة الفصل. وأوضح د. مهنّد مصطفى، مدير الورشة، في تعقيبه على المداخلة، أنّ هذا الكتاب، والكتابَيْن الآخرَيْن موضوع النقاش في الورشة: كتاب أرييه شافيط "حرب وجوديّة" وكتاب ميخا ﭼـودمان "اليوم الثامن"، تُشكِّل ثلاثتُها الخطابَ العامّ والنقاش البحثيّ والسياسيّ في إسرائيل خلال الأشهر الأولى بعد الحرب، مؤكّدًا أنّ هدفَ الكتابِ السياسيَّ الأساسيَّ هو "ترميم ما تبقّى من الخطاب في إسرائيل الذي ينزع نحو التسوية في الصراع".

وقد أضاف مصطفى أنّ الكتاب جاء كردّ فعل على حالة الصدمة والشعور بالذنب التي أصابت "اليسار الصهيونيّ" بعد السابع من تشرين الأوّل، إذ بدأ هذا التيّار يلوم نفسه ويَعتبر أنّ فكرة التسوية كانت خطأً. يحاول الكتاب إعادة توجيه اللوم وتحميل المسؤوليّة لليمين وسياسات نتنياهو، قائلًا لليسار: "لستم أنتم المسؤولين". لذا، فإنّ أهمّيّة الكتاب سياسيّة أكثر ممّا هي بحثيّة أو تاريخيّة؛ فهو لا يقدّم الكثير من المعلومات الجديدة.

استعرض الكتابَ الثاني، كتابَ ميخا ﭼـودمان "اليوم الثامن"، عضوُ الورشة حبيب مخّول مدّعيًا أنّ المؤلّف، رغم عرضه لنفسه على أنّه مثقَّف وسطيّ ومحايد، يقوم بتكريس خطاب اليمين. وأضاف أنّ الفكرة الأساسيّة للكتاب تتمحور حول مقولة أنّ أحداث السابع من تشرين الأوّل لم تكن نتيجة للسياسات الإسرائيليّة تجاه الفلسطينيّين، بل كانت نتيجة للانقسام الداخليّ الإسرائيليّ حول "الإصلاحات القضائيّة"، والذي أظهر إسرائيل بمظهر الضعف وشجّع حركة حماس على الهجوم.

أشار مخّول إلى عدّة أفكار ظهرت رئيسيّة طرحها الكاتب تكشف عن توجُّهه الأيديولوجيّ؛ إذ يدّعي أنّ الخلاف في المجتمع الإسرائيليّ وهميّ، وأنّ هناك كتلة اجتماعيّة كبيرة تتّفق على القضايا الأساسيّة. من هذه القضايا ضرورةُ "إدارة الصراع" عوضًا عن حلّه. كذلك يمجّد الكاتب حالة الوحدة والتكافل المدنيّ التي ظهرت في المجتمع الإسرائيليّ بعد السابع من تشرين الأوّل، معتبرًا إيّاها "شهر عسل" يجب الحفاظ عليه، وكذلك يستخدم لوصف إسرائيل التعبير المجازيّ الاستعاريّ العنصريّ "الـﭬـيللا في الأدغال"، داعيًا إيّاها أن تكون "هجينة": غربيّة في ديمقراطيّتها وتقنيّتها للحصول على الدعم والسلاح من الغرب، لكن وحشيّة عسكريًّا لضمان البقاء. وبدلًا من اقتراح أيّ تغيير في السياسات تجاه الفلسطينيّين، يدعو الكتاب إلى الوحدة حول سياسات أكثر تشدُّدًا، ويرى أنّ على إسرائيل أن تكون مستعدّة لحرب مستمرّة.

خلال النقاش حول الكتاب ومؤلِّفه، رأى بعض المشاركين أنّ هدف الكاتب الحقيقيّ هو تكريس الخطاب اليمينيّ وتبرير السياسات الإسرائيليّة تحت غطاء ثقافيّ، رغم تقديمه لنفسه على أنّه مثقَّف وسطيّ. فكرة الكتاب المركزيّة تحيل أحداث السابع من تشرين الأوّل إلى الانقسام الداخليّ الإسرائيليّ لا إلى السياسات تجاه الفلسطينيّين، وتدعو إلى توحيد المجتمع حول "إدارة الصراع" عوضًا عن حلّه.

تباينت المواقف بين مَن رأى في الكتاب منطقًا صهيونيًّا متماسكًا، ومَن اعتبره "مخيفًا" لطرحه مشروعًا لإحياء المجتمع الإسرائيليّ عبْر استثمار التفكُّك الداخليّ. وُضِع الكتاب كذلك في إطار أوسع من "العَمى الإﭘـستمولوجيّ" وَ "العلْم التجهيليّ" في إسرائيل -أي إنتاج معرفة ظاهرُها علميٌّ لكنْ جوهرُها ترسيخ الجهل والإنكار.

 

الاكثر قراءة