نظّم مدى الكرمل- المركز العربي للدراسات الاجتماعية التطبيقيّة يوم الجمعة (24/10/2025)، ندوة بعنوان "قراءة في المشهد السياسيّ الإسرائيليّ". ناقشت الندوة كيف تُدار الحرب على قطاع غزّة كمنظومة متكاملة تجمع بين الإبادة الممنهجة وتبريرها الإعلامي والسياسي، من خلال تحليل آليات شرعنة العنف الجماعي، واستراتيجيات نتنياهو للبقاء في الحكم عبر استمرار الحرب، إلى جانب كشف ممارسات القمع التي يتعرّض لها الأكاديميون الفلسطينيون داخل الجامعات الإسرائيلية خلال هذه المرحلة. وأدارت الندوةَ المديرة العامّة لمدى الكرمل د. عرين هوّاري.
افتتَح اللقاءَ د. أمير فاخوري، مُحامٍ وعالم اجتماع سياسي ومُحاضِر في جامعة حيفا وباحث في معهد فان لير في القدس، بمداخلة تقدّم إطارًا تحليليًا منظّمًا لآليات شرعنة العنف الجماعي في قطاع غزّة، مع اقتراح مصطلحي مركزي لتمييز ظاهرة جديدة: «الإبادة الجماعية في البثّ المباشر»— أي الممارسة الإباديّة التي تُدار وتُعرض في الزمن الحقيقي، حيث يصبح البثّ وتوزيعه جزءًا فاعلًا من آليات التبرير والتجييش والمراقبة. اقترح فاخوري قراءة تفاعلية تربط بين ستة مسارات تفسيرية متكاملة وأدلة نصية ومفاهيمية من الخطاب السياسي والإعلامي الإسرائيلي. كما وفصّل كيف تتلاقى الموارد والقدرات مع السرديات لتشكيل منظومة معرفية–أخلاقية تشرعن الإبادة وتُطيل أمدها. اختتم فاخوري مداخلته بطرح سؤال نظريّ منهجيّ محوريّ: هل تكفي الأطر النظرية الحالية لالتقاط خصوصية ظاهرة «الإبادة الجماعية في البثّ المباشر»، أم أنّ ثمة حاجة ملحّة لإعادة صياغة مفاهيمية ومنهجية تشمل وسيط البثّ، وخوارزميات الرؤية، واقتصاد الانتباه كعوامل فاعلة في إنتاج الشرعية؟

قدّم د. امطانس شحادة، مدير برنامج دراسات عن إسرائيل في مدى الكرمل، مداخلته بعنوان "إستراتيجيّات نتنياهو للبقاء في الحكم" وتناول من خلالها استراتيجية نتنياهو للصمود السياسي والحفاظ على حكمه بعد الإخفاق الكبير في السابع من أكتوبر 2023. أوضح شحادة أن نتنياهو حدّد هدفين مركزيين: تحقيق إنجازات عسكرية تعيد ترميم الردع الإسرائيلي ومكانتها الاستراتيجية، وضمان بقاء حكومته لتجنّب تحمّل مسؤولية الفشل وملاحقته قضائيًا بتهم الفساد. وقد ربط نتنياهو بين الهدفين بوضوح: فهو لا يستطيع الصمود سياسيًا دون تحقيق إنجازات عسكرية واستمرار حالة الحرب والطوارئ، كما لا يمكنه الاستمرار في الحرب وتحقيق أهدافها الاستراتيجية دون استقرار حكومته. كما أشار شحادة إلى أنّ نتنياهو استغلّ الوضع بعد السابع من أكتوبر 2023 لتحقيق أهداف استراتيجية وأمنية أوسع تتجاوز الرد العسكري، وتتماهى مع المشروع العقائدي لليمين المتطرف الساعي إلى فرض وقائع سياسية وأمنية جديدة في الضفة الغربية وقطاع غزّة وإعادة تشكيل الواقع الإقليمي بما يخدم مصالح إسرائيل.

أما د. مها صبّاح- كركبي، فعرضت نتائج بحثها الذي يتناول تجارب الأكاديميين الفلسطينيين في الجامعات الإسرائيلية خلال الحرب، والكاشف عن البُنى السلطوية وآليات القمع المتجذّرة داخل المؤسسات الأكاديمية. تُظهر نتائج البحث أن الفضاء الجامعي تحوّل إلى مجال يخدم الخطاب القومي والأمني الإسرائيلي، من خلال إسكات السردية الفلسطينية وفرض خطاب الولاء عبر اشتراطات الإدانة العلنية لهجوم 7 أكتوبر 2023. كما وتطرّقت صبّاح-كركبي إلى كون الممارسات القمعية تتجلّى في أشكال مختلفة، من المراقبة والتحريض إلى الرقابة الذاتية الناتجة عن الخوف من العقاب والإقصاء. ومع ذلك، أشارت إلى أن الصمت الذي يمارسه بعض الأكاديميين يتحوّل أحيانًا إلى أداة مقاومة خفيّة للحفاظ على الوجود المهني والهوياتي في بيئة معادية. واختتمت بالإشارة إلى أن الأكاديميا الإسرائيلية ليست فضاءً محايدًا، بل هي جزء من منظومة استعمارية تعمل على ضبط المعرفة وتكريس الهيمنة القومية اليهودية من خلال مراقبة وضبط الهويات الفلسطينية داخلها.
اختُتِمت الندوة بنقاش شمل أسئلة وتعقيبات من الحضور، أثرى النقاش ووسّع زوايا النظر في القضايا المطروحة.


لمشاهدة الندوة، يرجى الضغط هنا.
لقراءة الدعوة العامة، يُرجى الضغط هنا.