عقد مركز مدى الكرمل، المركز العربي للدراسات الاجتماعية التطبيقية، ورشة عمل حول دور مؤسسات المجتمع المدني العربية في اسرائيل وجاءت ورشة العمل تحت العنوان "المشاركة السياسية ما بين الإشكاليات النظرية ومهام المرحلة"، وقد شارك عدد من مندوبي الجمعيات الأهلية، والباحثين والناشطين في العمل الأهلي والسياسي.
عرض مدير طاقم المجتمع المدني في مدى، د. خليل نخلة، اهداف العمل ضمن إطار مجموعة عمل المجتمع المدني. وقال أن البحث حول مؤسسات المجتمع المدني ينطلق من فرضية وجود دور لهذه المؤسسات ضمن المشاركة السياسية، وأن البحث سيتناول مجموعة من الأسئلة مثل: مفهوم مؤسسات المجتمع المدني، طبيعتها ومضمونها وهيكليتها، مفهوم المشاركة السياسية من خلال التركيز على الحراك السياسي اليومي، والعلاقة بين مؤسسات المجتمع المدني، علاقتها مع الأحزاب السياسية، علاقتها مع القاعدة الشعبية، مدى استقلاليتها، تمويلها ومرجعيتها الفكرية والسياسية. كما أشار أن ما طرح هو عناوين مختصرة وأولية للنقاش مع مندوبي ومندوبات المؤسسات والناشطين، بهدف بلورة أسئلة ومواضيع البحث.
يذكر أن هذه الورشة هي سلسلة من ورشات مستقبلية ينظمها مركز مدى ضمن مشروع "المشاركة السياسية للفلسطينيين في إسرائيل منذ عام 1948". يهدف هذا المشروع إلى دراسة أدوات العمل السياسي للمواطنين الفلسطينيين منذ 1948، وفحص جدوى هذه الأدوات وتفاعل الأحزاب والحركات السياسية ومؤسسات المجتمع المدني معها. وتعمل ضمن المشروع خمسة طواقم باحثين من مجالات مختلفة لدراسة أدوات المشاركة السياسية التالية: العمل البرلماني ضمن الاحزاب؛ الحركات السياسية غير البرلمانية؛ الجمعيات الأهلية؛ العمل القانوني، لجنة المتابعة بوصفها مؤسسة وطنية.
من المقرر أن يتم هذا المشروع البحثي على مدار ثلاث سنوات، تتوج بنشر أبحاث الطواقم، عقد مؤتمر دولي لعرض النتائج من خلال المقارنة مع تجارب شعوب ودول ذات ظروف مماثلة، وبمشاركة أكاديميين وناشطين سياسيين من مناطق أخرى في العالم.
وفي القسم الثاني من ورشة العمل قدم مندوبو الجمعيات الأهلية تصوراتهم حول مؤسسات المجتمع المدني ودروها في الحراك السياسي، كما طرحوا العديد من الأفكار والملاحظات حول أسئلة البحث التي يطرحها المشروع وأهدافه. بداية تحدثت الناشطة النسوية والسياسية ومنسقة الاعلام في جمعية السوار، السيدة عرين هواري. وقالت أنه يتم عادة طرح موضوع الجمعيات الأهلية وعلاقتها بالأحزاب كشعار فقط، دون أن يتم بحث الموضوع بشكل جدي. ثم تطرقت السيدة هواري إلى نقاط التقاطع والاختلاف في المشاركة السياسية بين الجمعيات الأهلية والأحزاب السياسية، وخاصة فيما يتعلق بجانب التغيير المجتمعي والنهوض بالمجتمع. "صحيح أن الجمعيات الأهلية ليست منتخبة من قبل الجمهور كما الأحزاب، وهي لا تطرح نفسها كممثلة عن
المجتمع ولكن كقلقة عليه وتحمل همومه". أشارت هواري الى ان الاحزاب السياسية تحمل مشروعا سياسيا، وامينة على تنفيذه ولكنها تفتقر لمشروع متعلق بتغيير صورة المجتمع ، ولكن بعض الجمعيات تقوم بهذا الدور، بينما تعمل الأحزاب على هذه القضايا فقط في حالة نشوب الأزمات العائلية والطائفية. لقد أخذت الجمعيات الأهلية على عاتقها مسؤولية التغيير المجتمعي وهي تقوم بذلك أفضل من الأحزاب، فقضايا المرأة مثلاً تبقى حصرا على الجمعيات النسوية، بينما تعاملت معها النساء بفضل النساء الناشطات في الاحزاب، واحيانا تم اختزالها هناك بمسألة التحصين". تناولت هواري فيما بعد توزيع الأدوار مشيرة إلى التعامل مع الجمعيات النسوية ومحاسبتها وكأنها المسؤولة عن آفات المجتمع القيمية بدلا من محاسبة المجتمع وممثليه، ولكنها في نفس الوقت اشارت الى ان التوجه الى الجمعيات لمساءلتها يدل بحد ذاته على ان الناس ترى بها عنوانا في قضايا المجتمع وأنها تتواصل معه . ثم دعت هواري إلى ضرورة التكامل بين الأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني.
أما السيد أمير مخول، مدير عام اتجاه، فقد تناول بالنقد أسئلة البحث التي يطرحها المشروع، وحاول ان يلقي النظر على اسئلة بحثية اخرى، وقال انه من خلال القاء الضوء على تجربة عمل المجتمع المدني العربي للفلسطينيين في اسرائيل يمكن تطوير اسئلة بحثية جديدة. وأشار انه "ثمة علاقة وتنسيق بين الجمعيات وبين الأحزاب، وفيما بينها، كما يتم تطوير الشراكة بين جميع الأطراف وهذا ما لم تتطرق له التساؤلات البحثية". ثم قال أن الجمعيات تعمل على تطوير أدوات إدارة الصراع، وأنها أستطاعت ترك أثر سياسي على مجمل الخطاب السياسي وادخال أدوات جديدة مثل التشبيك، المرافعة الدولية، تدويل الصراع، والتواصل الفلسطيني والعربي. كما أشار إلى أن العلاقة بين الجمعيات والأحزاب هي علاقة تكامل وليست علاقة تنافر، مؤكدا على التوافق، والاحترام والتنسيق فيما بين الاحزاب والجمعيات المختلفة. ثم طرح مخول لجنة الدفاع عن الحريات، لجنة مناهضة الخدمة المدنية، والتحضير للاضراب الأخير، كنماذج للتنسيق والعمل المشترك فيما يتعلق بالمشاركة السياسية.
السيد جعفر فرح، مدير عام جمعية مساواة، دعا إلى دراسة تجربة الجمعيات العربية الحالية ضمن امتدادها العالمي، والاقليمي والتاريخي. وقال أن العمل الأهلي في فلسطين بدأ قبل عام 1948، مشيرا إلى النقص الحاد في المراجع البحثية في هذا المجال. واقترح السيد فرح العمل على اقامة أرشيف ومكتبة في هذا الخصوص. وبخصوص الجهات الممولة وسياساتها، فقد انتقد التشكيك في العلاقة مع صناديق التمويل مشيرا إلى دورنا المجتمعي في خلق البرامج، والاستراتيجيات، وتنويع مصادر التمويل لتلائم تصوراتنا الفكرية. كما دعا السيد فرح إلى شمل العمل الأهلي الديني، بما فبه الاسلامي والمسيحي، مثل المدارس الأهلية والمستشفيات في الابحاث، وضرورة تنظيم العلاقة بين مؤسسات المجتمع بما فيها الأحزاب، والجمعيات، والسلطات المحلية، والقطاع الخاص والاعلام. وفي خضم مداخلته قال فرح: "التصور المستقبلي لعمل المؤسسات العربية يجب أن يشمل أربعة أنواع من المؤسسات التي نحتاجها: الوطنية، الحزبية، الدينية، والمؤسسات المستقلة التي تمتلك أجندات خاصة مثل موضوع المثليات والمثليين؛ فهذا كله جزء من بناء المجتمع ويساهم في تطوير الحيز الديمقراطي في مجتمعنا". وفي نهاية كلمته دعا فرح إلى ضرورة الأستفادة من التجارب العالمية بخصوص العمل الأهلي والمشاركة السياسية، مشيرا إلى أهمية التجربة الألمانية، الجنوب أفريقية، والجنوب أمريكية. كما دعا الاعلام المحلي إلى ضرورة أخذ دوره في مساءلة المؤسسات المجتمعية الوطنية بما فيها الجمعيات ومحاسبتها، وإلى ضرورة العمل بشفافية تامة.
بعد هذه المداخلات دار نقاش بين المشاركين طرحت خلاله العديد من الأفكار، وقدمت العديد من الاقتراحات العملية لتطوير المشروع. وفي ختام الجلسة أشار القائمون على المشروع أنهم سيأخذون جميع الاقتراحات بعين الاعتبار وسيعملون على تطوير أسئلة البحث وتوسيعها بناء على ما طرح خلال ورشة العمل.