بواسطةMada Admin | 7 نوفمبر 2022

في قراءته لنتائج انتخابات الكنيست الإسرائيلي.. د. مهند مصطفى: مشروع القائمة المشتركة فشل وترك وراءه العديد من الآثار سلبية.. نحتاج سنوات لتصحيحها

تيار المقاطعة لم يبلور مشروعا سياسيا متماسكا حول المقاطعة

 المطلوب هو الجلوس بشكل جماعي والتفكير بواقع المجتمع الفلسطيني، وبلورة مشروع سياسي جماعي

 

موطني 48| طه اغبارية

في أعقاب نتائج انتخابات الكنيست الإسرائيلي الـ 25، التقت صحيفة “المدينة” د. مهند مصطفى، المدير العام لمدى الكرمل: المركز العربي للدراسات الاجتماعية التطبيقية، للوقوف على قراءته لنتائج الانتخابات وتداعياتها على المجتمع العربي والخارطة السياسية الإسرائيلية.

د. مهند مصطفى
د. مهند مصطفى

موطني 48: كيف تقرأ نتائج انتخابات الكنيست؟

د. مهند: لقد حصل ما توقعناه في لقاء سابق مع صحيفة المدينة، حول خيارين، إمّا حكومة برئاسة نتنياهو وإمَّا الذهاب إلى انتخابات سادسة. لم يكن لدى المعسكر المناهض لنتنياهو إمكانية تشكيل حكومة في هذه الانتخابات، حتى لو لم يحصل معسكر نتنياهو على 61 مقعدا. تدل هذه الانتخابات، وهذه النتيجة الأهم، أن اليمين الإسرائيلي بكل أشكاله القومية والدينية سيطر على المشروع الصهيوني وعلى تعريف الصهيونية، بعد أن هيمن على النظام السياسي الإسرائيلي. ما يحدث في إسرائيل في العشرين سنة الأخيرة هو ثورة يمينية على دولة إسرائيل، على الصهيونية، على اليهودية. وهذا يحتاج إلى تأمل وبحث عميقين. هذه الانتخابات هي واحدة من تجليات هذه الهيمنة.

 

موطني 48: وكيف تقرأ النتائج في المجتمع العربي؟

د. مهند: أولا يجب أن نشير إلى أنَّ مشروع القائمة المشتركة قد فشل. ولم يفشل فحسب، بل ترك آثارا سلبية على الحقل السياسي الفلسطيني، نحتاج لسنوات من أجل تصحيحها. ودعني أشير إلى ثلاثة انعكاسات لهذا المشروع الذي لم يكن نتاج فكر ووحدة وطنية، بل أطلقت عليه “سفينة نوح”- مجازا طبعا- من اجل تحقيق هدف واحد وهو عبور نسبة الحسم. قلَّصت القائمة المشتركة الحقل السياسي الفلسطيني في إسرائيل إلى العمل البرلماني، وضربت البنى التحتية للأحزاب التي تشكلها باستثناء الحركة الإسلامية الجنوبية، وأسهمت في ردة في الخطاب السياسي، لذلك خطاب منصور عباس ليس منعزلا عن خطاب القائمة المشتركة، بل هو امتداد لها. لذلك فالقائمة المشتركة ليست نتاج مشروع سياسي ولا تطور عمل وحدوي، ولم تكن مرة كذلك، وتفككها كان متوقعا لمن قرأ هذه التجربة جيدا”.

 

موطني 48: وما هي قراءتك لنتائج الأحزاب العربية تحديدا؟

د. مهند: على مستوى الحقل السياسي البرلماني، فإن النتائج تشير- إلى الآن- أنَّ القائمة العربية الموحدة هي القوة الأولى. التجمع الوطني الديمقراطي حقق انجازا انتخابيا كبيرا رغم عدم عبوره نسبة الحسم، ولكن يبقى تحدي التجمع بعد الانتخابات في إعادة بناء بنيته التنظيمية الحزبية التي ارتهنت للعمل البرلماني، وساهمت في إضعافه في السنوات الأخيرة خلال انضوائه في القائمة المشتركة. حيث ان تجربة العمل السياسي العربي، تاريخيا، تؤكد أن الحزب الذي يرتهن للعمل البرلماني ويخسر الانتخابات سينتهي تنظيميا. أمَّا الجبهة الديمقراطية فقد بدأت تخسر هيمنتها التي تدّعيها في الحقل السياسي الفلسطيني، وخاصة البرلماني. والحقيقة أن الجبهة هي أكثر الأحزاب ارتهانا للعمل البرلماني واعتقد أنَّ قوة الجبهة تتمثل بالأساس في ثبات قواعد انتخابية لها جيلا بعد جيل، وهذا يحتاج إلى تفصيل ليس هنا المجال له. لا بد من الإشارة إلى ظاهرة الاستجداء. ففي كل انتخابات، تتعامل الأحزاب العربية مع المجتمع العربي بصورة قبلية، فحملات الاستجداء في يوم الانتخابات، أو حملات التصويت لابن البلد أو بنت البلد كما رأيت في احدى اللافتات “صوت البلد لبنت البلد”، هو تعامل قبلي مع المجتمع العربي، وكأننا قبيلة أو عشيرة نطلب الحماية منها في اللحظة الحاسمة، وغير مبنية على الاقناع أو مشروع سياسي. وهذا ما فسر صعود نسبة التصويت في يوم الانتخابات.

 

موطني 48: والتخويف من بن غفير، ألم يلعب دورا في ذلك؟

د. مهند: هذه المرة بصورة أقل عمَّا في السابق، حملات التخويف هي ملازمة في كل حملة انتخابية، مرة من ليبرمان، مرة من شارون، ومرات من نتنياهو وهذه المرة من بن غفير. أظن أن المجتمع العربي لم تعد تخيفه حملات التخويف، وهو يحتاج إلى مشروع سياسي وحلول وليس تحليلات. اعتقد ان حملات التخويف ساهمت في الدورات الانتخابية السابقة في رفع عدد المصوتين العرب للأحزاب الصهيونية، فإذا كان الخطر هو حكومة نتنياهو فسيلجأ عدد من المصوتين لانتخاب أحزاب صهيونية مناهضة له ولديها إمكانية تشكيل حكومة ضد نتنياهو.

 

موطني 48: هل تطور تيار المقاطعة في المجتمع العربي؟

د. مهند: لا، فأغلب المجتمع العربي لا يقاطع انتخابات الكنيست أيديولوجيا، بمعنى أنَّه لا يرى تناقضا بين الكنيست وبين تنظيم المجتمع العربي، أو ينزع شرعية المشاركة البرلمانية، أغلب الممتنعين يفعلون ذلك لأسباب سياسية أي احتجاجية، إمَّا بسبب غياب الوحدة بين القوائم العربية، أو لأنه لديهم خيبة أمل من الأداء البرلماني أو القيادة البرلمانية. تيار المقاطعة لم يبلور مشروعا سياسيا متماسكا حول المقاطعة، والأهم مقنع، لذلك فإن صعود معدلات التصويت وتراجعها لا ترتبط بتيار المقاطعة”.

 

موطني 48: ما المطلوب سياسيا في المرحلة القادمة؟

د. مهند: المطلوب هو الجلوس بشكل جماعي والتفكير بواقع المجتمع الفلسطيني، وبلورة مشروع سياسي جماعي، بكل هدوء وعقلانية وبدون تشنج. البنية الحزبية تآكلت، أهمية الحزب تراجعت، القيادة الحزبية والبرلمانية في أغلبها ليس لها حضور ولا تأثير في المجتمع الفلسطيني، مفهوم القيادة تقلص بعضو البرلمان، باستثناء حالات قليلة لم تخض العمل البرلماني مثل الشيخ رائد صلاح. القيادة في الأحزاب البرلمانية بالمجمل هم أعضاء الكنيست، وعندما ينهون عملهم لا يتعاملون مع انفسهم كقيادة، وكأن دورهم انتهى بانتهاء عضويتهم في الكنيست”.

 

موطني 48: دعنا نعود للساحة السياسية الإسرائيلية، كيف فاز معسكر نتنياهو؟

د. مهند: هنالك مجموعة من الأسباب، أهمها رفع نسبة الحسم في صفوف القواعد الاجتماعية لليمين، وقد عمل نتنياهو بشكل بارع على هذا الأمر، مستعملا خطابا شعبويا متطورا، يعتمد على التخويف، والسبب الثاني المركزي هو تماسك معسكر نتنياهو الذي يتكون من أربع قوائم، وقد عمل نتنياهو طويلا على الحفاظ على وحدة القوائم قبل تقديم القوائم، فمنع انفصال الصهيونية الدينية، وانفصال يهدوت هتوراة وأدار شؤون معسكره بكل براعة. في المقابل يتميز المعسكر المناهض لنتنياهو بالتبعثر، فالقائمة المشتركة تفككت، ولم ينجح لبيد في وحدة ميرتس وحزب العمل، والصراع داخل المعسكر على رئاسة الحكومة بين غانتس ولبيد، وكثرة القوائم، ومنها من لم يعبر نسبة الحسم، وتشير النتائج إلى أن عدد أصوات المعسكرين متشابهة، ولكن وحدة معسكر نتنياهو أسهمت في عدم خسارة مقاعد، بينما بعثرة المعسكر المناهض أدَّت إلى خسارة مقاعد لقوائم وصلت إلى مقعدين أو ثلاثة ولم تجتز نسبة الحسم.

 

موطني 48: وما هو السبب المركزي لصعود بن غفير؟

د. مهند: بن غفير هو جزء من تحول عالمي مرتبط بصعود اليمين المتطرف الشعبوي. وأهم مميزاته كراهية الآخر في ظل صعود العولمة، والاقتصاد الليبرالي الذي مكّن مجموعات مهمشة من التقدم في السلم الاجتماعي الاقتصادي والسياسي وتحدي “الأسياد”. والعرب في إسرائيل في نظر بن غفير تحدوا اسيادهم، حتى في العنف والجريمة، لا يتم التعامل معها على أنها آفة اجتماعية، بل تحد قومي للسيادة اليهودية وتحد للأسياد، فكيف يتجرأ المجرمون العرب على دخول البلدات اليهودية، ولو بقيت حدود الجريمة في البلدات العربية لما تحدث أحد عن فرض “السيادة اليهودية”، قمة العنصرية ونزع إنسانية الانسان العربي. وعد بن غفير جمهور اليمين وغيرهم أن “يخبط على رؤوس العرب”، وظل يخبط علينا كلاميا خلال حملة الانتخابات، ويتأمل جمهوره أن يخبط على رؤوسنا عمليا بعد تعيينه وزيرا، لذلك صوتوا له. صعود بن غفير ليس له علاقة بالمشروع الاستيطاني في الضفة الغربية ولا بالفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة، التصويت لبن غفير له علاقة بصعود مكانة العرب في إسرائيل، الذين بنظر جمهوره يستأنفون على الفوقية اليهودية “والسيد” اليهودي. فجلبوا سيدا يهودي جديدا وعدهم بأن يعيد العرب إلى مكانتهم الطبيعية أمام أسيادهم. ولكنه سوف يفشل ويضعف بعدها، لأن العرب لن يكونوا عبيدا واليهود لن يكونوا أسيادا عليهم.

 

موطني 48: مقابل صعود بن غفير، كان تراجع لحزب الجنرالات، كيف تفسر ذلك؟

د. مهند: لقد ذكرت ذلك قبل عامين في لقاء مع المدينة، أن عهد الجنرالات في السياسة الإسرائيلية انتهى، وذلك بفضل صعود الخطاب اليميني الشعبوي، الذي أصلا يرى في مؤسسات الدولة التقليدية، ومنها المؤسسة العسكرية كجزء من النخب القديمة. في العقدين الماضيين فشل كل الجنرالات الذين دخلوا الحياة السياسية، في إحداث تحول في أنماط التصويت في المجتمع الإسرائيلي، كان شارون آخر جنرال في السياسة الإسرائيلية، ولم يحظ كرئيس وزراء بشعبية وتأييد كبيرين لأنه كان جنرالا، بل لأنه كان شارون. أظن أيضا أن ايهود براك وفشله أسهم في هذا الأمر. لذلك فإن التفكير أن الجنرال سوف يجذب أصواتا هو تفكير قديم، ولهذا السبب لم يسهم انضمام ايزنكوت لحزب “المعسكر الرسمي” في تعزيز تمثيل هذا الحزب. في ظل هيمنة اليمين الشعبوي وخطابه البدائي، فإن بن غفير الذي لم يخدم في الجيش تقريبا أكثر شعبية من ايزنكوت أحد الجنرالات الناجحين في تاريخ العسكرية الإسرائيلية.

الاكثر قراءة