عقد برنامج علم النفس التحرريّ في مدى الكرمل لقاءً حواريًا تشاركيّاً لاختصاصيين ومعالجين نفسيين تناول معايشتهم الإنسانية والفكرية والمهنية لتجربة الحرب الحالية وانعكاساتها في الغرفة العلاجية وخارجها. وطُرحت خلال اللقاء أسئلة ومشاركات حول ذاتية المرحلة وكيفية قراءتها، وحول دور المعالجين في إحضار الذات الحقيقية للمعالِج والمتعالج في الغرفة العلاجية، وحول نقاط التقاء الذوات العلاجيّة مع الذات الجمعيّة في ظل ما نشهده من سياسات الإخراس والملاحقة للمجتمع الفلسطيني في إسرائيل.
افتتحت اللقاء مركّزة البرنامج، المعالِجة النفسيّة ايناس عودة- حاج، قائلة ان "وجع غزة المكلومة يرتد صداه في نفس كل فلسطيني أينما كان، ولا سيما فينا نحن المجموعة التي بقيت في وطنها منذ النكبة؛ ويعيد إحياء مستويات متعددة للصدمة المتدحرجة التي عشناها ونعيشها منذ النكبة المستمرة. مشاهد القتل والمجازر والتهجير تتكرر اليوم ليس في ذاكرتنا الجمعيّة، بل في وعينا الحاضر وأمام أعيننا. نشاهدها ونشعر بالغضب والعجز وقلة الحيلة، خصوصًا في ظل السياسات الممنهجة من قبل الدولة ومؤسساتها لإخراس أصواتنا الفرديّة والجمعيّة ومنع أي حراك جماعي يمكن ان يشكّل نوعًا من التعاضد والتكافل المجتمعيّ الذي يعتبر من أهم آليّات الدعم والمساندة لتخطي الأزمات." وعن فكرة اللقاء وهدفه قالت انه في هذه الظروف الصعبة "من المهم أن نسعى الى لملمة بعضنا، ولو بمجموعات صغيرة توفر لنا الدعم والراحة، وان نسعى الى خلق حيز آمن للتشارك والحوار؛ حيث يرى علم النفس التحرري بضرورة الحوار والتشارك نحو تغيير الواقع. كما انه من المهم ان يهتم المعالِج بالإصغاء للعالم الداخلي للفرد مع التمعن في العلاقة بين النفس الفردية وبين السياق السياسي الاجتماعي. هذا الربط من شأنه ان يشكّل وعيًا جديدًا للتحديات النفسيّة التي يعيشها الأفراد داخل المجتمع وتعزّز شعورهم بالوكالة".
أدار اللقاءَ الاختصاصيّان النفسيّان العياديّان د. مصطفى قصقصي والسيدة يعاد غنادري. وقد أجمع المشاركون على أهميّة اللقاء كونه يُلبّي حاجة ضرورية للمعالِجين بإحضار ذواتهم الحقيقيّة، والتعامل مع تخبطاتهم في جو من الدعم والاحتواء. حيث انه من الأهميّة بمكان ترميم الذات المجروحة للمعالِج حتى يتمكن من الاستمرار في تقديم الدعم للمتعالجين. وفي نهاية اللقاء تم الاتفاق على عقد مزيد من هذه اللقاءات لما فيها من وعي نقديّ وفائدة معرفيّة تحرريّة تُشكّل بوصلة للتوجهات العلاجيّة.