أرسل مدى الكرمل - المركز العربيّ للدّراسات الاجتماعيّة التطبيقيّة - رسالة إلى رئيس الجامعة العبريّة وإلى عميدها، أدان بها تعليق عمل الأستاذة نادرة شلهوب كيفوركيان، كما أدان سياسات الجامعة تجاه المجتمع الأكاديميّ الفلسطينيّ واعتبرها جزءا من عمليّة إبادة للصوت الفلسطينيّ ومساهمة مباشرة في إبادة شعبنا في غزة. وجاء في الرسالة:
نكتب إليكم باسم مدى الكرمل - المركز العربيّ للدراسات الاجتماعيّة التطبيقيّة - لنُعرب عن إدانتنا قرار الجامعة تعليق عمل أ.د. نادرة شلهوب كيفوركيان في مجال التدريس. بالإضافة إلى ذلك، لا بدّ من التأكيد على أنّ هذا التعليق هو شهادة على تواطؤ الجامعة على دعم وتعزيز المشروع الصهيونيّ المــُنعكس في الاحتلال الإسرائيليّ ونظام الفصل العنصريّ المفروضين على الفلسطينيّين.
سبق هذا الإجراء حملة اضطهاد وقمعٍ قاسيين على نطاقٍ واسعٍ، أطلقتها جميع الجامعات ومؤسّسات التعليم العالي الإسرائيليّة ضدَّ المجتمع الأكاديميّ الفلسطينيّ في الجامعات والمؤسسات الأكاديميّة الإسرائيليّة، بما في ذلك الموظّفون والطلّاب. لقد تعرّض المجتمع الأكاديميّ الفلسطينيّ لوابلٍ من الهجمات الشخصيّة والاعتقالات التعسّفيّة والرقابة والإجراءات العقابيّة. وقامت المؤسّسات الأكاديميّة بالتضييق على أكثر من مئة طالب وطالبة فلسطينيّين؛ كما جاء في ورقة مركز عدالة: "تعرّض 52 طالبًا فلسطينيًّا إلى تعليق تعليمهم قبل استدعائهم إلى جلسة استماع، وطُرد ثمانية طلّاب دون جلسة استماع، وطرد ثلاثة آخرون من السكن الطلّابيّ دون إشعارٍ مسبَّقٍ أو فرصة لعقد جلسة استماع للنظر بشأنهم". https://did.li/JlTlC
نظرًا إلى سجلّ الإنجازات العلميّة الموثّق للأستاذة د. شلهوب كيفوركيان، إلى جانب سجلّ العديد من الباحثين والباحثات الفلسطينيّين الآخرين العاكفين على تحليل العنف الاستعماريّ وعلى الدعوة لإنهاء الاستعمار، فإنّ مركز مدى، كمركز أبحاث، يتساءل عمّا إذا كانت الجامعة العبريّة تنظر إلى الفلسطينيّين كمراقبين سلبيّين للتاريخ فقط، بدلًا من النظر إليهم كوكلاء نَشِطين داخله. هل التاريخ مجرّد حدثٍ يتكشّف من حولنا، أم أنّه يتشكّل من خلال أفعالنا الجماعيّة؟ هل تَعتبر الجامعة مساعينا العلميّة مجرد سلعٍ يتمّ استغلالها من أجل تعزيز سمعتها العالميّة وتعزيز صورة جميلة ونقيّة لدولة إسرائيل، بينما هي تفرض علينا ثمنا ندفعه بأرواحنا ومعرفتنا؟
كيف يمكن للمثقّفين الفلسطينيّين، بالذات أولئك المتضلّعين في قضايا العدالة والتحرير والاستعمار، أن يلتزموا الصمت في مواجهة حرب الإبادة الجماعيّة المستمرّة التي تتكشّف أمام أعينهم، وبالقرب من بيوتهم، وتستهدف شعبهم؟ بالإضافة إلى الأشكال التي لا تعدّ ولا تحصى لما يتعرّضون له من القمع والعنف، فإنّ هذا العنف المعرفيّ يفرض علينا أن نكون متواطئين معه عبر صمتنا، في حين أنّنا شاهدون عليه وعلى فظائعه، وشهادتنا العلنيّة هي موقفنا الأخلاقيّ قبل أن تكون موقفا وطنيًّا.
إنّ تأييد الجامعة الواضح للصهيونيّة، والذي يتّضح في الرسالة الموجّهة إلى أ.د. شلهوب كيفوركيان، يؤكّد أنّ العنف المدمّر المستمرّ ضدّ الفلسطينيّين في غزّة متأصّل في المشروع الصهيونيّ، أمّا تصنيف معارضة المجازر والجرائم كفعل معادٍ للصهيونيّة، فإنّه يعني الاعتراف بالجوهر العنيف للصهيونيّة، الأمر الذي يحوّل مطالبتنا بالتصالح مع الصهيونيّة إلى مطالبة بالاستسلام للعنف بحقّنا.
في خضمّ هذا الهيجان العنيف، يتواصل التفكيك المنهجيّ للبنية التحتيّة التعليميّة في غزّة ودون توقُّف. إذ تمّ تدمير جميع الجامعات الاثنتي عشرة في غزّة، والضرر بما يقارب 378 مدرسة وتدميرها بسبب القصف الإسرائيليّ؛ وبشكلٍ مأساويّ. كذلك، فقد فَقَدَ 4,327 طالبًا و231 معلّمًا و94 أستاذًا أكاديميًّا حياتهم. رغم هذه الخسائر المهلكة، التزمت الجامعة الصمت حيال إبادة التعليم العالي والأكاديميا الفلسطينيّة في غزة.
على خلفيّة المذابح القاسية والمروّعة، فإنّ التحريض ضدّ صوت أ.د. شلهوب كيفوركيان يعتبر تأكيدًا صارخًا على التواطؤ طويل الأمد لهذه الجامعة وللأوساط الأكاديميّة الإسرائيليّة على تعزيز الأجندة الصهيونيّة. وبينما تسعى آليّة العسكرة إلى محو وجودنا ذاته، يسعى الحقل الأكاديميّ إلى محو أصواتنا وتاريخنا وروايتنا.
إنّ الحملة التي تستهدف الفلسطينيّين/ات في الجامعات الإسرائيليّة، مدعومة بمبادرة عالميّة أوسع، تهدف إلى خنق الخطاب المعادي للصهيونيّة داخل الدوائر الأكاديميّة والجامعات، والذي يشمل الفلسطينيّين واليهود في الولايات المتّحدة وبريطانيا ودول أوروبيّة مختلفة – وهي مجموعات نتماهى معها بعمق. تهدف جهود تلك الحملة إلى إسكات من يدافع عن مستقبلٍ إنسانيٍّ ومنصفٍ وشاملٍ لجميع سكّان هذه الأرض، بغضّ النظر عن الجنسيّة، أو العرق، أو الدين – مستقبل مُتصَوّر خارج حدود الصهيونيّة.
إنّ إلغاء قرار تعليق عمل أ.د. شلهوب كيفوركيان عن العمل كردّ على الضغوط الدوليّة المتزايدة لا يمحو أو يبطل الضرر الناجم عن أفعال الجامعة العبريّة. لا زال واضحًا أنّكم تعتبرون إسكات المعارضة والقضاء على الرواية الفلسطينيّة والإنسانيّة حول الحرب جزءًا من مهمّتكم. مطالبنا الآن موجّهة إلى الأوساط والمؤسّسات الأكاديميّة في جميع أنحاء العالم لمساءلة المؤسّسات الأكاديميّة الإسرائيليّة على دعمها للانتهاكات الجسيمة للقانون الدوليّ، ووقف أيّ تعاون أكاديميّ معها طالما أنّها تصطفّ وراء الاحتلال غير القانونيّ ونظام الفصل العنصريّ المفروضين على الفلسطينيّين.