برنامج علم النفس التحرّريّ/
أحداث / سمينار "قراءات سيكولوجيّة تحرّريّة في السياق الفلسطينيّ "- اللقاء الثالث (أيلول 2025)عُقِد يوم السبت الموافق 13.9.2025 في مكتب مدى الكرمل في حيفا، اللقاءُ الثالث من سمينار "قراءات سيكولوجيّة تحرّريّة في السياق الفلسطينيّ"، بمشاركة عدد من طلبة وخرّيجي ومهنيّي الصحّة النفسيّة. جاء اللقاء تحت عنوان "فلسطينيّو 48 والجرح الاستعماريّ المفتوح"، واشتمل على مداخلتين: الأولى بعنوان "اللابيتيّة الاستعماريّة"، قدمتها المعالجة النفسيّة ومركّزة برنامج علم النفس التحرّريّ السيدة إيناس عودة- حاج؛ أما الثانية فجاءت بعنوان: "النظر في آليّة تحليليّة للانطلاق الى تحليل نفسيّ تحرّريّ: الإرث النفسيّ للمجتمع الفلسطينيّ في 48 نموذجًا"، قدمتها الاختصاصيّة النفسيّة التربويّة أسرار كيّال.
في مداخلتها، أشارت السيدة إيناس عودة- حاج الى شعور الاغتراب الذي يعيشه المستعمَر بفعل الاستعمار وممارسات الطمس والمحو مستندةً الى مفهوم اللابيتيّة (unheimlich)الذي وضعه سيجموند فرويد من مجال التحليل النفسي، وطوّره لاحقًا هومي بابا (unhomely) ليشمل الأبعاد السياسيّة في التجربة النفسيّة الجماعيّة للمجتمعات المقهورة والمستعمَرة. يعكس مفهوم اللابيتيّة مركّبات متناقضة من المألوف والغريب، من الحميم والموحِش في نفس الوقت. انه ذلك الشعور بالخوف والانزعاج الذي نشعر به عندما نشاهد ما كان مألوفا يتحوّل الى مشهد غريب وموحِش. وشرحت عودة- حاج ان اللابيتيّة الاستعماريّة هي فعل مقصود/ مُهندَس/ موجّه/ ممنهَج (inflicted من قِبل الأنظمة الاستعماريّة كآلية لتغريب المستعمَر عن حيّزه وعن بيئته الطبيعيّة، وهو ما يتوافق مع مفهوم الاغتراب حسب فانون. وقالت ان الفلسطينيين في الداخل يعيشون منذ النكبة مستويات متعددة من اللابيتيّة: على مستوى الحيّز والبلد والمعارف واللغة وحتى الأسماء. وشرحت ان مستويات اللابيتيّة تعمّقت في حرب الإبادة، لتشمل مستويات الأصدقاء وزملاء العمل وحتى على مستوى الفرد، حيث اخترقت نفوسَنا مركّباتٌ صادمة جعلتنا "غرباء عن أنفسنا" إمّا اكثر عصبيّةً او اكتئابًا او عجزًا.
وفي المداخلة الثانية، أشارت أسرار كيّال الى ان علم النفس في نشأته لم يرَ أفريقيا او الجنوب العالمي ولم يأخذ بعين الاعتبار ان على النظريات والتدخلات النفسيّة ان تكون ملائمة لكل سياق. كما شدّدت كيّال ان التطرق للمجتمع الفلسطيني في 48 لا يأتي لسلخِهِ عن باقي مركّبات المجتمع الفلسطينيّ، وانما للتطرق بأمانة الى المحطات المختلفة التي أثّرت في مسار تطوره؛ لذا نهتم ان يرتبط التحليل الخاص بالعام وعدم الغرق في الخاص وإغفال العام. وشرحت كيال ان الممارسة التحرّريّة تعني ترجيع البوصلة نحو المجتمع بواقعه وسياقه، كما تعني الوعي للواقع حيث ان التشخيص والتدخل عليهما ان يعتمدا على هذا الوعي وينطلقا منه. كما تطرقت كيال الى تجارب تميّز الداخل الفلسطيني وعلى رأسها الحِرمان المُسكَت، والحرمان من الإطار، والحرمان من الأرض، بالإضافة الى الحرمان من الحديث عن التجربة بواسطة الحكم العسكري الذي فُرِض بعد النكبة والذي تحاكي سياساتُهُ سياساتِ الإخراس والتضييق والملاحقة التي تم فرضها على الداخل خلال حرب الإبادة. وختمت كيال بالتطرّق الى مفاهيم مثل التكيّف والصمود داعيةً الى التمييز بينهما؛ حيث ان التكيّف يشمل الحفاظ على الواقع حتى لو كان ظالمًا وقامعًا في حين ان الصمود يعني الحفاظ على ذاتيّة الفرد المستعمّر مقابل واقع مشوّه وعدم قبوله.
