تحت عنوان "الدين والسياسة والمجتمع في إسرائيل: التحوّلات الأخيرة في الصهيونيّة"، نظّم كل من مدى الكرمل-المركز العربي للدراسات الاجتماعية التطبيقيّة، وبرنامج الماجستير في الدراسات الاسرائيليّة-جامعة بيرزيت يومًا دراسيًا في جامعة بيرزيت، وذلك بحضور العشرات من المشاركين.
افتتُح اليوم الدراسي بكلمات ترحيبيّة من الجهات المنظّمة، حيث قدم د. طلال شهوان عميد كلية الدراسات العليا في جامعة بيرزيت كلمة باسم الجامعة رحب فيها بالحضور ومؤكدا على أهداف اليوم الدراسي. تلتها كلمة لد. مهند مصطفى، المدير العام لمدى الكرمل، وقد تحدث بدوره عن أهمية قراءة ما يجري من تحولات في الصهيونية في الجانب الخاص بعلاقتها بالدين. وكانت الكلمة الترحيبيّة الأخيرة لد. منير فخر الدين، مدير برنامج الماجستير في الدراسات الإسرائيلية في جامعة بير زيت.
شارك في الجلسة الأولى تحت عنوان: " مقاربات سوسيولوجية للدين والسياسة في إسرائيل"، كل من د. خالد الحروب، د.هنيدة غانم ود.أيمن اغبارية، وأدارت الجلسة د. لورد حبش. وقد استعرض د. خالد الحروب، الباحث في مركز الدراسات الإسلامية في جامعة كامبردج، موقع الدين والحداثة السياسية في الصهيونية والحركة الوطنية الفلسطينية، موضحًا ان ثمة اختلافًا في موقع الدين بين الحركتين من جهة، وفي وظيفة الدين وسبل استخدامه من جهة أخرى. حيث كان الدين مركزيًا وحاضرًا في الحركة الصهيونية مقارنة مع الحركة الوطنية الفلسطينية، كذلك استُخدم الدين صهيونيًا من أجل إعطاء شرعية امتلاك الأرض، وهو ما كان مختلفًا في الحالة الفلسطينية التي استطاعت احتواء الحركات الدينيّة، وأدت الى فلسطنة الحركات الدينية، بعكس الحالة الصهيونية التي باتت تتجه نحو التديّن.
من جانبها استعرضت د. هنيدة غانم، مديرة مركز مدار للدراسات الاسرائيليّة، في مداخلتها التحولات السوسيو-ديمغرافية وراء تنامي هيمنة المتديّنين في إسرائيل. حيث عرضت التحوّلات الجارية في النخب الحاكمة الاسرائيليّة نحو ما يسمّى باليمين الجديد، موضحة الأسباب الديمغرافية والاجتماعية التي أدت الى نشوء هذا اليمين، والذي بات يمسك بمفاصل الدولة المركزية. فقد بات "الحريديم" أقرب الى الصهيونية، إضافة الى تصاعد الجناح الأكثر تشددًا في الليكود.
وقدم د. أيمن اغبارية، الباحث في دراسات التربية والمجتمع والثقافة، مداخلة في إطار الجلسة، تطرق فيها الى الدين والتربية للفصل والفوقيّة. حيث قدم ملاحظات حول حالة إسرائيل وتجربة الأبارتهايد في جنوب افريقيا. وأكّد اغبارية انه ومع وجود اختلافات بين الحالتين: أي بين فلسطين وجنوب افريقيا، الا انه بالإمكان لمس بعض المقاربات المتعلقة باستخدام الدين وأساطيره في التربيّة للفوقية العنصرية.
أما الجلسة الثانية والتي أدارتها د.هنيدة غانم، فقد تمحورت حول مواقع التوتر والتكيّف بين الدين، السياسة والمجتمع في إسرائيل. حيث قدّم خلالها السيّد أنطوان شلحت، الكاتب والباحث في الشؤون الإسرائيلية، مداخلة حول اليمين الديني في إسرائيل وتحوّله من الهامش الى محاولة الهيمنة. وأوضح شلحت ضرورة التمييز بين اليمين التنقيحي واليمين الديني الجديد، وان كان الأخير لا يتنكّر للأول، مشيرا الى الاختلافات والاجتهادات المختلفة داخل الجناح المتشدد من هذا اليمين، بين نفتالي بينيت من جانب وجناح "الاتحاد القومي" الذي يقوده سموتريتش على سبيل المثال.
وفي مداخلته في إطار الجلسة، استعرض د. مهند مصطفى مسار علمنة المقدّس وتحريره وذلك في سياق حضور المسجد الأقصى في الخطاب الصهيوني الديني الراهن. موضحًا ان الاهتمام والتركيز على الحرم القدسي الشريف واستغلال قدسيته، اخذ منحى بارزًا في الخطاب الصهيوني في العقدين الأخيرين، وخاصة في السنوات الأخيرة، حيث اختلف التعامل مع الحرم القدسي الشريف ك "المقدس" لدى التيارات الصهيونية الثلاثة: المتدين-القومي، السلفي وغير المتديّن. وذلك على مستوى الانتقال من الممارسة الشعبية لفرض السيادة الى الممارسة المؤسساتية متمثلةً في تدخل الدولة في فرضها، ومستوى التأييد الشعبي لهذه الفكرة الذي بات جارفا في المجتمع الإسرائيلي، فضلاً عن المستوى المرتبط بالمسوّغات الثيولوجيّة التي بدأت بفتوى لمجلس حاخامات المستوطنين منتصف التسعينات.
كما قدّم المحامي علاء محاجنة، المتخصص بقضايا الأرض والمسكن وناشط حقوقي في مجال حقوق الإنسان، مداخلة تطرق من خلالها الى دور الدين ومركزيته في المشروع الاستيطاني في القدس: ما بين "كفار هشيلوح" وسلوان. حيث أكد محاجنة في مداخلته ان فكر اليمين الديني الاستيطاني الاستعماري يتجسّد في القدس ومخططات الاستيطان في منطقة "الحوض المقدس" ( أي البلدة القديمة ومحيطها، وبالأخص سلوان والشيخ جراح)، موضحًا حجم وانعكاسات انتقال الاستيطان اليهودي الى داخل الأحياء الفلسطينية في شرقيّ القدس.
الجلسة الختامية تمحورت حول الدين والعقيدة الأمنية في المشروع الكولنيالي الصهيوني، ا وادارها د. سامي جمال، وتضمنت مداخلات مختلفة قدمها مجموعة من طلاب الدراسات العليا في الدراسات الإسرائيليّة في الجامعة. اذ قدّم طالب الدكتوراه أشرف بدر مداخلة تطرق من خلالها الى مسألة دخول المتديّنين في الجيش الإسرائيلي، واستعرض حجم هذه الظاهرة وأسبابها متعرضا للخلفية التاريخية التي وقفت وراءها.
من جانبها قدّمت طالبة الماجستير، لينا أبو الحلاوة، مداخلة حول البعد التوراتي في الخطاب الأمني الصهيوني، وحضور هذا البعد في المؤسسة الأمنية الإسرائيليّة والعقيدة الأمنية، مستعرضةً مسحًا لأهم المفاهيم القائمة في هذا الصدد ومفهوم الأمن الصهيوني وقواعده. وقدّم طالب الماجستير، أحمد قاضي، مداخلة حول التراث اليهودي والحالة الكولنيالية في فلسطين. حيث تطرق لمسار طمس التراث اليهودي العربي الشرقي، وأكدّ ضرورة عدم التعامل مع التراث اليهودي كأمر ثابت وجامد.
أُختُتم اليوم الدراسي بكلمة لد. منير فخر الدين، قدّم خلالها ملاحظات حول المداخلات التي قدّمت، والتي حاولت رصد التحوّلات في الصهيونية، ودور الدين في هذه التحولات، موضحًا ان أحد الأهداف هو التشخيص للانتقال الى السؤال الأكثر صعوبة وهو سؤال "ما العمل؟". مشيرا الى أهم النقاط التي عرضتها المداخلات.